المشرق وجعلهم فى الوظائف السلطانية، فجعل الطواشى مسرورا خادمه استادارا، وعمل صبيحا-وكان عبدا حبشيا-خزنداره، وأمر أن تكون له عصا من ذهب وأعطاه مالا جزيلا وإقطاعات جليله.
وكان إذا سكر جمع الشموع وضرب رؤسها بالسيف حتى تنقطع، ويقول:
«هكذا أفعل بالبحرية». فإنه كان فيه هوج وخفة، واحتجب على العكوف بملاذه، فنفرت منه النفوس. وبقى كذلك إلى يوم الاثنين التاسع والعشرين من المحرم، وقد جلس على السماط، فتقدم إليه أحد المماليك البحرية وضربه بسيف فقطع أصابع يدية ففر إلى البرج، فاقتحموا عليه وسيوفهم مصلتة فصعد أعلى البرج الخشب فرموه بالنشاب وأطلقوا النار فى البرج، فألقى نفسه ومر إلى البحر، وهو يقول:«ما أريد ملككم دعونى أرجع إلى الحصن يا مسلمين، ما فيكم من يصطنعنى ويجبرنى»، وسائر العساكر بالسيوف واقفة، فلم يجبه أحد، والنشاب يأخذه من كل ناحية، وأدركوه فقطع بالسيوف، ومات حريقا غريقا قتيلا فى يوم الاثنين المذكور، وترك على الشاطئ ثلاثة أيام ثم دفن.
ولما قتل الملك المعظم اتفق أهل الدولة على إقامة شجرة الدر-والدة خليل-فى مملكة مصر، وأن يكون مقدم العسكر الأمير عز الدين ايبك التركمانى الصالحى، وحلف الكل على ذلك. وسيروا إليها عز الدين الرومى، فقدم عليها فى قلعة الجبل وأعلمها بما اتفقوا عليه، فرضيت به، وكتبت على التواقيع علامتها-وهى والدة خليل-، وخطب لها على المنابر بمصر والقاهرة.
وجرى الحديث مع الملك روادى فرنس فى تسليم دمياط، وتولى مفاوضته فى ذلك الأمير حسام الدين بن أبى علىّ الهديانى، فأجاب إلى تسليمها، وأن يخلى عنه، بعد محاورات. وسير إلى الفرنج بدمياط يأمرهم بتسليمها إلى المسلمين، فسلموها بعد جهد جهيد من كثرة المراجعات، فى يوم الجمعة ثالث صفر، ورفع العلم السلطانى على سورها، وأعلن فيها بكلمة الإسلام وشهادة الحق بعد ما أقامت بيد الفرنج أحد عشر شهرا وسبعة أيام، وأفرج عن الملك روادى فرنس وعن أخيه وزوجته، ومن بقى من