ثم لما تأخر الباشا عن منزلته واستقر بأراضى زفيتة وأحاط به المصريون والعرب، ووقع له ما وقع مما تقدم ذكره، أرسل له الألفى على كاشف الكبير يقول له:«حضرة ولدكم الألفى يسلم عليكم، ويسأل عن هذه العساكر المصحوبين بركابكم، وما الموجب لكثرتها؟ وهذه هيئة المنابذة، والعادة القديمة أن الولاة لا يأتون إلا بأتباعهم وخدمهم المختصين بهم، وقد ذكروا لكم ذلك وأنتم بالإسكندرية». فقال:«نعم، وإنما هذه العساكر متوجهة إلى الحجاز تقوية للشريف، وعند ما نستقر بالقلعة نعطيهم جماكيهم ونشهلهم ونرسلهم إلى الجهات الحجازية». فقال له:«إنهم أعدوا لكم قصر العينى تنزلون به، فإن القلعة خربها الفرنسيس وغيروا أوضاعها فلا تصلح لسكناكم، كما لا يخفاكم ذلك، وأما العساكر فلا يدخلون معكم بل ينفصلون عنكم ويذهبون إلى بركة الحاج فيمكثون هناك حتى تشهل لهم ما يلزمهم وترسلهم، ولسنا نقول ذلك خوفا منهم، وإنما البلدة فى قحط وغلاء والعساكر العثمانية طباعهم لا توافق طباع العساكر الأرنؤطية». فقال الباشا:«إذا أقوم وأرجع حيث كنت».
فقال له:«هذا لا يكون وإن فعلتم ذلك حصل لكم الضرر». فقال:«إن العساكر لها عندى أربعمائة كيس وثمانون كيسة، أحضروها وادفعوها لهم، وهم ينتقلون إلى بركة الحاج كما قلتم».
ورجع على كاشف إلى الأمراء بذلك الجواب، وحضر عابدى بيك من طرف الباشا إلى الأمراء-وكان كبير العسكر الانكشارية-فكلموه وكلمهم، وميلوه وخدعوه.
فذهب إلى الباشا وعاد إليهم، وكان آخر كلامهم له:«إن بيننا وبينه فى غد: إما أن يحضر عندنا فى جماعته المختصين به، وينزل مخيمنا، وإما الحرب بيننا وبينه».
وانتظروا عابدى بيك فلم يرجع إليهم بجواب.
ثم لما أصبح الصباح ركب الأمراء المصريون بعساكرهم وجعلوها طوابير، وزحفوا إلى عرضى الباشا من كل جهة، فلما رأى ذلك الباشا أمر عساكره بالركوب والمحاربة، فلم يتحرك منهم أحد، وقالوا:«لأى شئ تأذن بالمحاربة وليس معك فرمان بذلك، ولم تعطنا جامكية ولا نفقة، ولا طاقة لنا على حرب المصريين». فلما تحقق له الخذلان ركب فى خاصته وذهب إلى الأمراء، وترك خيامه وأثقاله. فاستقبلوه وأشيع الصلح بينهم.