كنائس محارس قسطنطين، فبذل النصارى لأمير مصر فى تركها خمسين ألف دينار فأبى، فلما ولى موسى بن عيسى أذن لهم فى بنائها فبنيت كلها بمشورة الليث بن سعد وعبد الله بن لهيعة قاضي مصر، واحتجا بأن بنائها من عمارة البلاد، وبأن الكنائس التى بمصر لم تبن إلا فى الإسلام فى زمن الصحابة والتابعين.
وفى سنة ست عشرة ومائتين انتقض أسفل الأرض بأسره عرب البلاد وقبطها، وأخرجوا العمال وخلعوا الطاعة؛ لسوء سيرة أعمال السلطان فيهم، وكانت بينهم وبين عساكر السلطان حروب امتدت إلى أن قدم الخليفة عبد الله أمير المؤمنين المأمون إلى مصر لعشر خلون من المحرم سنة سبع عشرة ومائتين، فسخط على عيسى بن منصور الرافقى وكان على إمارة مصر، وأمر بحل لوائه وأخذه بلباس من البياض عقوبة له، وقال: لم يكن هذا الحدث العظيم إلا عن فعلك وفعل عمالك، حملتم الناس ما لا يطيقون، وكتمتنى الخبر حتى تفاقم الأمر، ثم بعث بجيش إلى الصعيد وارتحل هو إلى سخا، وبعث بالإفشين إلى القبط فأوقع بهم فى ناحية البشرود، وحصرهم حتى نزلوا على حكم أمير المؤمنين، فحكم فيهم المأمون بقتل الرجال وبيع النساء والأطفال فسبى أكثرهم، وتتبع كل من يومى إليه بخلاف، فقتل ناسا كثيرا ورجع إلى الفسطاط فى صفر ومضى إلى حلوان، وعاد فارتحل لثمان عشرة خلون من صفر، وكان مقامه بالفسطاط وسخا وحلوان وقفط تسعة وأربعين يوما، وكان خراج مصر قد بلغ أيام المأمون على حكم الإنصاف فى الجباية أربعة آلاف ومائتى ألف دينار وسبعة وخمسين ألف دينار.
وفى سنة إحدى وخمسين وستمائة حصل بعد وقعة دروط اجتماع العرب من بنى سنبس ولواته وتحاربوا مع الأتراك عند هذه البلدة، فكانت الدائرة على العرب؛ فقتلت رجالهم وسبيت نسائهم ونهبت أموالهم، ومن حينئذ ذلت سنبس وقلت وتفرقت بالغربية. انتهى.