للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يباع منها شئ البتة، وتصرف كلفهما من الأموال الديوانية، فجادت فواكه هذين البستانين وكثرت، حتى حاكت بحسنها فواكه الشام؛ لشدة الخدمة والعناية بهما.

ثم اختار أن يحفر خليجا من بحر النيل؛ لتمر فيه المراكب إلى ناحية سرياقوس؛ لحمل ما يحتاج إليه من الغلال، وجعل فمه من موردة البلاط، ويمر بالميدان الظاهرى إلى بركة قرموط إلى ظاهر باب البحر، ويمر من هناك على أرض الطبالة فيصب فى الخليج الكبير، وكان الشروع فيه سنة خمس وعشرين وسبعمائة، وانتهى العمل فيه فى سلخ جمادى الآخرة على رأس شهرين، وجرى الماء فيه عند زيادة النيل، فأنشأ الناس فوقه عدة أسواق، وجرت فيه السفن بالغلال وغيرها، فسرّ السلطان بذلك وجعل عليه قنطرتين؛ قنطرة الأميرية وقنطرة سرياقوس، وحصل للناس رفق وقويت رغبتهم فيه، فاشتروا عدة أراض من بيت المال، غرسوا فيها الأشجار وصارت بساتين جليلة، وأخذ الناس فى العمارة على حافتى الخليج، فعمر ما بين المقس وساحل النيل ببولاق، وكثرت العمائر على الخليج حتى اتصلت من أوله بموردة البلاط إلى حيث يصب فى الخليج الكبير، وصارت البساتين من وراء الأملاك المطلة على الخليج، وتنافس الناس فى السكنى هناك وأنشأوا الحمامات والأسواق والمساجد، وصار هذا الخليج مواطن أفراح ومنازل لهو ومغنى صبابات، وملعب أتراب ومحل تيه، وقصف فيما يمر فيه من المراكب وفيما عليه من الدور، وما برحت مراكب النزهة تمر فيه بأنواع الناس على سبيل اللهو إلى أن منعت المراكب منه بعد قتل الأشرف.

ولما كمل الميدان وما اشتمل عليه فى سنة خمس وعشرين خرج السلطان ومعه الأمراء والأعيان ونزل القصور التى هناك، ونزل الأمراء والأعيان على منازلهم فى الأماكن التى بنيت لهم، واستمر يتوجه إليه فى كل سنة ويقيم به الأيام ويلعب فيه بالكرة إلى أن مات، فعمل ذلك أولاده الذين ملكوا من بعده، فكان السلطان يخرج فى كل سنة من قلعة الجبل بعد ما تنقضى أيام