وهكذا كان السلاطين كثيرا ما يترددون إلى سرياقوس ويجلسون بالقصر، وربما يفصلون هناك بعض القضايا، ففى سنة إحدى وستين وسبعمائة-كما فى المقريزى-استفتى السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاوون فى وقف حصة طندتا، وهى الأرض التى كان قد سأله الهرماس أن يقفها على مصالح الجامع الحاكمى، فعين له خمسمائة وستين فدانا من طين طندتا، وطلب الموقعين وأمرهم أن يكتبوا صورة وقفها ويحضروه ليشهدوا عليه به، وكان قد تقرر من شروطه فى أوقافه ما قيل إنه رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى؛ أن للواقف أن يشترط فى وقفه التغيير والزيادة والنقص وغير ذلك، فأحضر الكركى الموقع إليه الكتاب مطويا، فقرأ منه طرّته وخطبته وأوله، ثم طواه وأعاده إليه مطويا وقال: اشهدوا بما فيه دون قراءة وتأمل، فشهدوا بالتفصيل الذي كتبوه وقرروه مع الهرماس، وبعد نفى الهرماس سأل الخازندار السلطان هل وقفت حصة لطيفة على أولاد الهرماس؟ فإنه قد وقف ذلك، فقال: نعم أنا وقفت عليه جزءا يسيرا لم أعلم مقداره وأما التفصيل المذكور فى كتاب الوقف فلم أتحققه ولم أطلع عليه، فطلب السلطان القضاة والمفتين، فلم يحضر من القضاة غير نائب الشافعى وهو تاج الدين محمد بن إسحق ابن المناوى، وأما القضاة الثلاثة الشافعى والحنفى والحنبلى فإنهم كانوا مرضى، وحضر المفتون كابن عقيل وابن السبكى والبلقينى والبسطامى والهندى وابن شيخ الجبل والبغدادى، فجمعهم فى برج من القصر الذى بميدان سرياقوس-وكان قد سرح إليها على عادته كل سنة-وذكر لهم القضية وسألهم عن حكم الله تعالى، فأجاب الجميع بالبطلان غير المناوى فإنه قال: مذهب أبى حنيفة أن الشهادة الباطلة إذا اتصل بها الحكم صح ولزم، فصرخت عليه المفتون شافعيهم وحنفيهم، وأنكروا عليه ذلك وقاموا عليه قومة عظيمة، وقالوا له:
ليس هذا مذهبك ولا مذهب الجمهور ولا هو الراجح فى الدليل والنظر، وليس هو مذهب أبى حنيفة ومذهبه فى العقود والفسوخ ما ذكرت، وأما الأوقاف