وإن كان بعضها من قبله فلم يكن على هذه الصفة، وأمثل لك مثلا ليقاس عليه، وهو أن الدوادار كان قديما لا يباشر إلا متعمما يحمل الدواة ويحفظها، وأمير مجلس هو الذى كان يحرس مجلس قعود السلطان وفرشه، والحاجب هو البواب الآن؛ لكونه يحجب الناس عن الدخول، وقس على هذا، فجاء الملك الظاهر فجدّد جماعة كثيرة من الأمراء والجند، ورتبهم فى وظائف كالدويدار والخازندار وأميراخور والسلاخور والسقاة والجمدارية، والحجاب ورءوس النوب وأمير سلاح وأمير مجلس وأمير شكار.
فأما موضع أمير سلاح فى أيام الملك الظاهر فهو الذى كان يتحدث على السلاحدارية، ويناول السلطان آلة الحرب والسلاح فى يوم القتال وغيره؛ مثل يوم الأضحى، ولم يكن إذ ذاك فى هذه الرتبة؛ أعنى الجلوس رأس ميسرة السلطان، وإنما هذا الجلوس كان مختصا إذ ذاك بأتابك ثم بعده فى الدولة الناصرية؛ دولة محمد بن قلاوون برأس نوبة الأمراء.
ثم قال: وأمير مجلس كان موضعها فى الدولة الظاهرية دولة بيبرس أن يتحدث على الأطباء والكحالين والمجبرين، وفى بعض العبارات أن أمير مجلس هو المنوط به الإذن بالجلوس عند السلطان، ويقال أنعم عليه بإمرة المجلس، واستقر أمير مجلس مدة، وكانت وظيفة جليلة أكثر قدرا من أمير سلاح. وأما الدوادارية فكانت وظيفة سافلة كان الذى يليها أوّلا غير جندى، وكانت نوعا من أنواع المباشرة فجعلها الملك الظاهر بيبرس على هذه الهيئة، غير أنه كان الذى يليها أمير عشرة، ومعنى دويدار باللغة العجمية ماسك الدواة، فإن لفظة دار بالعجمى ماسك، لا ما يفهمه عوام المصريين أنها الدار التى تسكن، فيقولون: زمام الآدر، وصوابه: زمام دار، وأول من أحدث هذه الوظيفة ملوك السلجوقية، وكان للدوادار نائب يقال له حامل المزرة، وهى كيس توضع فيه الأوراق طوله نحو ذراعين وعرضه نحو ذراع وثلث، تتخذ من القماش المحرر الصافى، وتبطن ويجعل فى فمها علاقة من الخيط المفتول تجمع به فوهتها، وأصل مزرّة بشد الراء: مزررة براءين أولاهما مشددة، فخفف بحذف إحدى الراءات، وهى معدة لحفظ الأوراق السلطانية.