بأحكام السياسة، ولم يكن عادة الحجاب قديما أن يحكموا فى الأمور الشرعية فاستمر ذلك فيما بعد، وكان سببه وقوف تجار العجم بدار العدل وذكرهم أنهم لم يخرجوا من بلادهم إلا لما نزل بهم من جور التتار، وأنهم باعوا بضائعهم من تجار القاهرة فأكلوها عليهم وأرادوا إثبات إعسارهم على القاضى الحنفى وهم فى سجنه وقد أفلس بعضهم، فرسم للجرجى بإخراج غرماء التجار من السجن وتخليص مالهم قبلهم، وأنكر على القاضى الحنفى فيما عمله ومنعه من التحدّث فى أمر التجار والمدينين، فأخرج جرجى التجار من السجن وأحضر لهم أعوان الوالى وضربهم وخلّص منهم المال شيئا فشيئا، ومن حينئذ صارت الحجاب بالقاهرة وببلاد الشام تتصدى للحكم بين الناس فيما كان من شأن القضاة اه.
والسياسة هى القيام بأمور الرعية؛ من ساس الأمر قام به، ثم رسمت بأنها القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح وانتظام الأحوال، وهى نوعان:
سياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر، فهى من الأحكام الشرعية علمها من علمها وجهلها من جهلها، وقد صنف فيها كتب متعددة، والنوع الآخر سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها؛ قاله المقريزى فى خططه، وقيل إنها ليست لغوية بل أصلها ما يؤخذ مما نقله دساسى عن أبى المحاسن أن رسم الملك الظاهر إنما كان يسير على قاعدة ملوك التتار وغالب أحكام جنكزخان من أمر اليسق والتورا واليسق هو الترتيب، والتورا المذهب باللغة التركية، وأصل كلمة اليسق سى يسا، فهى مركبة من كلمتين أولاهما: سى بالعجمى ومعناها ثلاثة، وثانيهما: يسا بالمغلية ومعناها الترتيب، فكأنه يقال التراتيب الثلاثة، وسبب ذلك أن جنكزخان ملك المغل كان قد قسم ممالكه بين أولاده الثلاثة فجعلها أقساما ثلاثة وأوصاهم بوصايا لم تخرج عنها الترك إلى يومنا هذا مع كثرتهم واختلاف أديانهم، فصار الترك يقولون سى يسا يعنى التراتيب الثلاثة