السياط يزجرون الناس فذعرت فقلت: يا أبت، ما هؤلاء؟ فقال: يا بنى هؤلاء الشرط، فأقام المؤذنون الصلاة فقام عمرو بن العاص على المنبر، فرأيت رجلا ربعة قصير القامة وافر الهامة أدعج أبلج، عليه ثياب موشاة كأن به العقبان، تأتلق عليه حلة وعمامة وجبة، فحمد الله وأثنى عليه حمدا موجزا وصلى على النبى ﷺ ووعظ الناس وأمرهم ونهاهم، فسمعته يحض على الزكاة وصلة الأرحام، ويأمر بالاقتصاد وينهى عن الفضول وكثرة العيال وإخفاض الحال، فقال: يا معشر الناس إياكم وخلالا أربعا فإنها تدعو إلى النصب بعد الراحة، وإلى الضيق بعد السعة، وإلى الذلة بعد العزة، إياكم وكثرة العيال وإخفاض الحال وتضييع المال والقيل بعد القال فى غير درك ولا نوال، ثم إنه لابد من فراغ يئول إليه المرء فى توديع جسمه والتدبير لشأنه وتخليته بين نفسه وبين شهواتها، ومن صار إلى ذلك فليأخذ بالقصد والنصيب الأقل، ولا يضيع المرء فى فراغه نصيب العلم من نفسه فيجوز من الخير عاطلا، وعن حلال الله وحرامه غافلا يا معشر الناس، إنه قد تدلت الجوزاء وزلت الشعرى وأقلعت السماء وارتفع الوباء وقل الندى، وطاب المرعى ووضعت الحوامل ودرجت السخائل، وعلى الراعى بحسن رعيته حسن النظر، فحى لكم على بركة الله تعالى، إلى ريفكم تنالوا من خيره ولبنه وخرافه وصيده، وأربعوا خيلكم وأسمنوها وصونوها وأكرموها، فإنها جنتكم من عدوكم وبها مغانمكم وأنفالكم، واستوصوا بمن جاورتموه من القبط خيرا، وإياكم والمومسات المعسولات، فإنهن يفسدن الدين ويقصرن الهمم، حدثنى عمر أمير المؤمنين أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: إن الله سيفتح عليكم بعدى مصر فاستوصوا بقبطها خيرا فإن لهم فيكم صهرا وذمة، فكفوا أيديكم وعفوا فروجكم وغضوا أبصاركم، ولا أعلمن ما أتى رجل قد أسمن جسمه وأهزل فرسه، واعلموا أنى معترض الخيل كاعتراض الرجال فمن أهزل فرسه من غير علة حططته من فريضته قدر ذلك، واعلموا أنكم فى رباط إلى يوم القيامة؛ لكثرة الأعداء حولكم وتشوف قلوبهم إليكم وإلى داركم معدن الزرع