خفة ونشاطا، قال: وفى شمال عيون موسى عين غرقدة، ويليها وادى التيه حيث تاه بنو إسرائيل، وفيه جملة أعلام يستدل بها محمل الحج الشريف على الطريق صعودا وهبوطا، وفى غربيه الترعة المالحة الجديدة، عليها كبرى متين تمر عليه القوافل، وفى غربى ذلك بئر عجرود، يحط عندها محمل الحج فى أرض مجدبة ينبت فيها الحنظل وبعض حشائش ترعاها الإبل، ويرى فيها أثر الغزلان والضباع والأرانب، انتهى.
فلوقوع مدينة السويس فى هذه القفار كانت قفرة فقيرة ذات أبنية خفيفة قليلة الارتفاع، أكثرها طبقة واحدة مبنية من الدبش، على غير النظام ولا سمت حسن، مع ضيق حاراتها واعوجاجها، وكان ببعض بيوتها غرف قليلة يتخذونها من تقفيصات من الخشب، مملوء وسطها بالمونة والأحجار الصغيرة الملتقطة من شواطئ البحر، وهذه التقفيصات هى المعروفة بمصر والإسكندرية وغيرهما بالسويسية، واتخذها كثير من الناس لقلة مصرفها وخفتها، وإنما اقتصر عليها أهل السويس لفقرهم وفاقتهم، وقصور همتهم عن استخراج الأحجار والمون من الجبال الكثيرة المحيطة بهم الصالحة لذلك، مع جودة تلك المونة.
ولم تزل مدينة السويس قليلة السكان إلى أن أخذ العزيز محمد على بزمام الديار المصرية، وأزال منها أهل الفساد، وتخلص من المهمات التى كانت تشوّش فكره، وخلص له التصرف فى البلاد، فالتفت إلى تحصيل ثروة القطر التى منها تسهيل الطرقات، فبعد أن جدّد فى داخل القطر مزروعات جليلة وعوائد جميلة؛ من ترع وجسور وقناطر وصنائع جمة-التفت إلى أطراف القطر فصمم من ضمن ذلك على عمل سكة حديد توصل إلى السويس، وتعهد بعملها موسيو جلوى الإنكليزى بشروط عملت معه، ثم ترك ذلك لمقتضيات سياسية، واستعمل ما أحضر من مهماتها فى محاجر طرا، كما أشرنا إلى ذلك فى الكلام على الإسكندرية عند ذكر سكك الحديد.