فيه تقرير المرحوم محمد على باشا فى ولاية الديار المصرية، والتأكيد عليه بإرسال تجريدة من مصر على العرب الوهابية، لتساعد تجريدة سلطانية توجهت إلى تلك الجهة من طريق الشام، فاجتهد المرحوم محمد على باشا غاية الاجتهاد فى ذلك، مع صعوبة هذا الأمر فى ذلك الوقت، الذى كانت فيه المماليك متحزبة عليه والخزينة خالية من النقدية، ولما كان على يقين من أن السفر بطريق البر تهلك فيه نفوس بكثرة، صمم على أن يتخذ طريق البحر الأحمر لنقل جنوده، إلى فرضة جدة، ولم يكن فى ذلك الوقت أحد يتملك بعض سفن فى ذلك البحر غير الشريف غالب شريف مكة، وكان متحدا مع الأقوام الثائرين على الدولة العثمانية؛ فلم يمكن الاعتماد عليه، وكانت السويس يومئذ عبارة عن قرية رديئة لا يوجد بها ما يعمر به قارب واحد، فلم تفتر همته لذلك، بل أصدر أوامره إلى الإسكندرية بإرسال الأخشاب وسائر المواد اللازمة لإنشاء خمس عشرة سفينة، فوردت ووضعت فى الترسانة ببولاق مصر القاهرة، وتجهزت للتركيب، ثم نقلت على ظهور الجمال إلى ميناء السويس فركبت هناك، قال: ولضرورة كثرة المصرف ضرب ضرائب على الأهالى، وكان النيل غير واف والغلاء مترقبا، فأمر الباشا العلماء بصلاة الاستسقاء فازداد النيل واطمأنت قلوب الناس، وبينما هو آخذ فى التجهيز إذ ورد رسول السلطان إلى القاهرة، ومعه سيف تشريف برسم طسن ولد محمد علي باشا المعين لقيادة عسكر الحجاز، ومكتوب إلى محمد على باشا بإسراع تجهيز تلك الغزوة؛ فبادر بالسفر إلى السويس لإتمام تلك التحضيرات، وفى أثناء سفره انكشف حال عصبة خفية من المماليك، تواطأت على اختطافه فى عوده من السويس إلى مصر، فلما استشعر بذلك ركب هجينا جيدا أوصله إلى كرسى ولايته فى ليلة واحدة، وليس معه إلا خادم واحد، ونجا بنفسه من تلك المهلكة.
وكان المماليك دائما ينتظرون انتهاز فرصة الظفر به، وجازمين بأنه متى ركبت التجريدة البحر-وهى معظم العساكر المصرية-فإنهم يظفرون به وبباقى