للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عساكره، ولم تكن دسائسهم مستترة بحيث تخفى على فطانة محمد على باشا، التى فاق بها الأوائل والأواخر وملك بها البلاد، ورقاب العباد، فلضرورة تخليص نفسه منهم واستقلاله بالديار المصرية دبر أمرا هائلا، وهو إهلاكهم عن آخرهم قبل سفر التجريدة، فدعا جميع الأمراء والمماليك إلى قلعة الجبل لتقليد ابنه طسن باشا قيادة جيش الحجاز، وعقد لذلك موكبا، فلما اجتمعوا أغلقت عليهم الأبواب وقتلوا عن آخرهم بسهولة (وقد بسطنا ذلك فى الكلام على الفرعونية)، قال: ولو وجد محمد على باشا طريقا للخلاص منهم غير قتلهم لما قتلهم، قال طبيبه المؤتمن قلوت بيك، إن محمد على باشا بوقت مقتلة المماليك أصابته رعشة لم تفارقه مدة حياته، ولما خلت له البلاد من هؤلاء المتظافرين على الفساد أراد إتمام ذلك بإبعاد عساكر الأرنؤوط، الذين ربما يتوقع منهم الضرر؛ فسلكهم فى سمط التجريدة لفائدتين: الاستراحة منهم، والاستعانة بهم على حرب الوهابية.

وفى اليوم الثالث من شهر سبتمبر سنة ١٨١١ كان الأسطول الذى اعتنى بإنشائه بمينا السويس قد أقلع إلى ناحية ينبع، التي هى فرضة المدينة المحمدية، وقامت الخيالة فى سادس سبتمبر تحت قيادة نجله طسن باشا من طريق البر، وسنه إذ ذاك ست عشرة سنة فقط، وكان الوهابية قد استولوا على الحرمين الشريفين، حيث تركهما الشريف غالب وانتقل إلى جدة، وكان له رجل مع الوهابية، وأخرى مع الأتراك، خوفا من زوال ثروته وانقطاع ما كان من بقية وجاهته، وكان قد أرسل إليه العزيز محمد على باشا رسوله يظهر الحج وقصده المعاقدة معه سرا، فاتفق معه على أن الجنود المصرية يضعون اليد على ينبع وجدة، ولما بلغ شيخ الوهابية المسمى باسم سعود أن المصريين استولوا على بعض ثغور البحر الأحمر، وأنهم قتلوا من كان بها من قومه-وضع جنوده فى الدربندات (المضايق) التى فى الطريق بين الينبع والمدينة، وكان طسن باشا قد أخذ فى السير بتلك الطريق، فالتقت طليعته مع الوهابية ببدر