للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دائرة معلوماته فى الفنون العسكرية.

ولعلو همته كان دائما متطلعا للرتب العالية مثل مير ألاى فأعلى، غير واقف عند حد.

وفى تلك المدة كانت الفلسفة قد أخذت فى الانتشار وكثر بين الأمراء ووجوه الناس القدح فى أصول الديانات والقوانين المدبرة للأمم، وأخذت طائفة من علماء الفلسفة تبرهن على فساد العقائد المتبعة فى أصول الديانة، وانتشر ذلك وكتب فى الدفاتر، ومال إليه أغلب الناس جهارا حتى كانت المجالس العمومية لا تخلو عن التكلم فيه، وتفاخر أهل المدن والقرى بالشجاعة والبسالة واحتقار الأديان وأهلها، وزعموا أن أهل الأديان هم الغارسون لشجرة الظلم الموجبة لمحق الأهالى وسلب أموالهم وأمثال ذلك، فكانت سنة ألف وسبعمائة وخمس وثمانين هى وقت غرس أشجار الفتنة والاطراب (١) فى الأمة الفرنساوية، فظهر فيها نابليون هذا، واستعمل فى أول طرقه المداهنة والخداع واستمالة القلوب إليه حتى تقدم وآل أمره إلى بلوغ الدرجة القصوى، وتسلطن على ملة الفرنساوية، وأسس لعائلته أساسا ارتفع فوقه بيت مجدهم، وعلا به نجم سعدهم كما ستقف عليه، وذلك أنه فى مدة إقامته بهذه المدينة اختلط بفضلائها وأذكيائها، فكان لا يحادثهم إلا بما تألفه طباعهم وتميل إليه أنفسهم، ويتخلى عن كل ما ينفرهم، فاستمالهم إليه بعذوبة ألفاظه وسلاسة عباراته، المجردة عن الأوهام المحالة، بالبراهين الموافقة لمذاهبهم، وكان عنده أسباب كثيرة تحثه على ذلك، أقواها فقره ورغبته فى العلو وبلوغ السطوة والانفراد بالكلمة، فكان ينتهز الفرص ويجتهد فى إشعال نار الفتنة، حتى إن أقرانه ضباط الآلاى فى مبدأ ظهور الفتنة هموا بالمهاجرة إلى البلاد الأجنبية، فثبطهم وزحزحهم عن هذا العزم ورغبهم فى الإقامة، وتوجه بنفسه إلى مدينة


(١) كذا بالطبعة الأولى ولعل الصواب «والاضطراب». أحمد.