للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعطى الرتب إلا بمسيسه، وكان يبذل جهده فى تأليف حزب يعوّل عليه فى المهمات، وكان أخوه هو الموكل على تأليف أفراد الناس، فوجد فى نابليون الصفات التي يرغب أن تتحلى بها رجال حزبه الذين يحصل بهم أغراضه، فبالغ فى مدحه ووصفه بالنباهة، فاختاروه رئيسا على الطوبجية الموجهين من ضمن الجيش إلى جهة تولون، التي كانت استسلمت إلى الإنكليز.

وكانت العساكر يومئذ مجموعة من الفلاحين على وجه العجلة، ومجردة عن التعليمات ولا تحسن سياسة هذه الحركة، ومع ذلك بادر إلى التوجه ولم يتأخر، ورأى أن اللازم الامتثال بدون أدنى معارضة، وأن توجيه جميع القوى إلى موضع واحد يحصل به النجاح فى أقرب وقت، فلم يوافقوه على رأيه فطلب الاستعفاء إن لم يوافقوه، فوافقوه وسلموا له فى السفر فنجح نجاحا تاما واستولى على مدينة تولون، فى تاسع عشر شهر سبتمبر سنة ألف وسبعمائة وثلاث وتسعين، ومن حينئذ ظهر صيته وأخذ فى الشهرة، ولهجت الألسن فى المدن والقرى بوصفه بالبسالة ودقة النظر فى الحوادث.

وخشى روبسبير تخلخل صولته فرغب فى جذبه إليه ليكونا معا على قلب رجل واحد فى الخير والشر، فأبى نابليون لفهمه أن نجم روبسبير أخذ فى الأفول، وصولته آيلة إلى الاضمحلال، ومن عدم غفلته عن حوادث وقته كان يظهر له أن الفتنة لم تصل إلى غايتها. وبينما هو يدبر صورة هجوم على أرض إيطاليا إذ قام الناس على روبسبير فقتلوه وقتلوا كثيرا من حزبه، وصار من بقى منهم منظورا بعين التهمة، ودخل فى ضمنهم نابليون فأخلوه من الخدامة، وبعد مدة رغبوا فى تقليده وظيفة فى البيادة فأبى إلا الخدمة فى الطوبجية، وبقى بلا خدمة إلى أن تحزبت الأهالى على أرباب المجلس، واشتعلت نيران الفتنة فى جميع المديريات وانخرم قانون نظام مملكتهم، فنظر المجلس فلم يجد رجلا يسوس العساكر غير نابليون، وكان يكثر التردد على أقلام الدواوين