للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمجالس ويبدى لهم ما به خمود نار الفتنة، فاختاره باراس رئيس المجلس الذى بيده الحل والعقد، وظن أنه وجد من يتمم غرضه ويقوم به سعده، ولم يعلم أن نابليون كان له سريرة لا يطّلع عليها أحد، ويرى أن حوادث الوقت فوق طاقة رؤسائهم، وقد لزم نابليون الصبر ومعاناة الأمور، واستعمل المخامرة والخداع، حتى رأى أن المنضمين إليه تحت أمره وطوع يده، فهجم بهم على حين غفلة على عسكر الرديف، فبدد شملهم، وسطا على العصاة ففرقهم وأفنى أغلبهم، وقتل رؤساءهم، وأبطل الإدارة الحالية ورتب غيرها، وجعل نفسه روحها ومنبع قوتها، فتوجهت نحوه الأعين ونطقت بذكره الألسن، واستغربت العقول أمره وما تحلى به من اللين والحلم وغزارة العلم، ولعذوبة عباراته وحسن أخلاقه وإشاراته انضم إليه فى زمن قليل أكثر المتكلمين والأمراء والأعيان.

ولم يبق لكمال سعده غير الحصول على كثرة المال، ولم يمض إلا يسير حتى حباه الله بذلك، بعد زواجه بيوسفين زوجة الجنرال بوهرنى الذى مات مقتولا، وسبب زواجه بها أن باراس كان رتبه رئيسا على عسكر مدينة باريس، فى سنة ألف وسبعمائة وخمس وتسعين. ففى ذات يوم حضر عنده شاب يشكو إليه أن والده قتل فى المعركة فأخذوا سيفه ووضع فى المخزن، وأن والده كان موصوفا بالصدق وقد أمضى عمره فى خدمة وطنه، ثم طلب أخذ سيف والده، فأمر بونابارت بإعطائه له. وكان ذلك الشاب ابنا ليوسفين فشكرته على ذلك ووقع حبه فى قلبها، ولكن لصغر سنه عنها وكثرة ميله للعزلة كانت مترددة فى زواجه، وإذا سئلت فى ذلك لا تجيب بجواب صريح. وبعد أن علمت ترقيه إلى رتبة جنرال وتقليده رئاسة الجيش المخصص لحرابة إيطاليا رضيت به وتزوجته. وكانت العادة إذ ذاك عدم دخول الديانة فى الزواج، بل يكتفى برضا الزوجين وكتب أسمائهما فى دفاتر الخط الذى هما به من المدينة.