وكان الجيش الذى جعل رئيسا عليه مركبا من عساكر قد اعتادوا الحرب فى داخل المملكة، بسبب كثرة الفتن، لكنهم كانوا لا يدرون أمر تنظيم العساكر، وكان أغلبهم حفاة بملابس رثة. وكان جميع رؤسائهم ممن أفنوا شبابهم فى خدمة الدولة. وكانوا يحسدون نابليون على قيام سعده فى زمن قريب، وما منهم أحد إلا ونار الحسد كمينة فى ضميره. وفى حال قيامه بجيشه لمقابلة سبعين ألفا من العساكر المنتظمة الألمانيين والروسيين-كان لا يظن أحد نجاحه، خصوصا ولم تكن الزخرة كافية، بل فى بعض الأيام حصل عدم صرف الجراية للجيش، ومع ذلك لم تفتر همته، وجعل يشجع العساكر ويقوى جأشهم.
ولوقوفه على ترتيبات إدارة الحروب كان يرتب ترتيبات محكمة بسيطة، خالية عن شوائب الطول الذى يوجب ضياع الوقت فى مقابلة العدو، فحصل من ذلك مزايا جمة وانتصر على جميع جيوش الأعداء. والسر الأكبر فى ذلك هو أنه كان فى ترتيب الوقعات يوجه أفكاره فى تفريق قوى العدو؛ بالهجوم عليهم من جهات متعددة، بحيث لا يثبت في مكان واحد، ولا تشغله النصرات الجزئية عن التدبير، بل جل فكره مصروف فيما يترتب عليه النصرة التامة، مع تأليف قلوب العساكر والضابطان، وتعويدهم على الانقياد للقانون وأوامر الرؤساء، ومع إجرائه الأحكام على قانون العدل والإنصاف وتقليد الوظائف لمستحقيها بدون غرض نفسانى، فضلا عما رتبه للعساكر مما يحفظ الصحة ويعين على الأعداء، من المأكل والملبس والذخيرة والسلاح، حتى كبر فى أعين جميع الجيش وهابوه وأطاعوه، طاعة حب لا طاعة خوف، وصاروا فى قبضة يده وتصرفه، وسرت لهم شجاعته وبسالته فقابل بهم الجموع المجمعة فى أرض إيطاليا، وانتصر عليهم فى غير وقعة حتى اضطروا إلى طلب الصلح.
وأخذ بلاد البيومونتى عنوة، ولم يكن فى قدرة النيمسا أن تدفعه عنها، مع