للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبحارها، ففكر نابليون فيما يدهمهم به فلم يجد إلا حصارهم فى جزائرهم ومنع حركة التجارة بينهم وبين الدول، فلم تكن مصيبة على الملل أكبر من هذه؛ لأنها سبب جفاف منابع الخيرات التى عليها مدار حياتهم، ومن حصل منه قبول هذه الشروط لم يقبلها إلا خوفا ومداراة على نفسه، وما من دولة دخلت فى رأى هذا الظالم إلا كانت مترقبة حصول حادثة تعينها على التخلص من هذه الورطة.

وقد كان اسكندر قرال الدولة الموسكوفية عقد معه شروط الصلح بعد وقعة فريدلاند، وأظهر الميل والموافقة لنابليون، لكن كان ذلك منه مداراة؛ لأنه مع إظهاره لموافقته كان قد أرسل من طرفه رسولا سرا إلى لوندرة للاتفاق معها على القيام على نابليون، وقد كانت راغبة فى كسر شوكة نابليون، وكذلك دولة الروسيا، بل وجميع الألمانيا كانت آخذة فى أهبة القيام لبقاء حريتها واستقلالها، فكانت رجالهم ونساؤهم وشيوخهم وأطفالهم سواء على كلمة واحدة من عدم الرضا بالمذلة، وقاموا قومة حب الوطن، وأبرز الإنكليز الأموال وأوقدوا نيران الفتنة، وانضمت الأمم الأوروباوية بعضها إلى بعض بحث العلماء وأصحاب الأقلام على المدافعة والمحافظة على بلادهم، ومقاومة العدو الذى يريد حرمانهم من التصرف فى أنفسهم وأموالهم، فكان لا يرى من الألعاب الأهلية والقصائد الشعرية وغير ذلك إلا ما يهيج النفوس ويبعثها على القيام على الفرانساوية، وكان ذلك غير خاف على نابليون، ولكنه كان معتمدا على قيام سعده واعتياده للنصر، ولرغبته فى قهر الألمانيين والتحكم فيهم أبقى الحصار على قريب من ثلثى أوروبا من دون أن يلتفت إلى ما فى ذلك من الضرر الموجب لقيام النفوس. ولم يلتفت لأمر دولة الليه بالكلية مع أنه كان الواجب رعيا للمصلحة تدبير أمر هذه الأمة والسعى فى تعظيمها وإعطائها درجتها التى كانت لها، ليدخل فى اعتقاد الناس غير ما كانوا مصرين عليه، من اعتقاد أنه لا يريد إلا التصرف المطلق فى الداخل والخارج.