للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تطفأ نار حرصهم على الانتقام من الدولة الفرانساوية، بل زاد اشتعالها أضعاف ما كانت، وملأ ذلك قلوب كبيرهم وصغيرهم وعالمهم وجاهلهم، حتى إن شابا صغيرا منهم احتال وضرب نابليون بخنجر فلم يصبه، وكان ذلك فى مدينة شنبرون سنة ألف وثمانمائة وتسع، فضبطوا ذلك الشاب وقتلوه، وحين عقلوه للرصاص صاح بأعلى صوته أحيا الله الألمانيا، أحيا الله الحرية، فكأن هذا الصوت صوت جميع الألمانيين يخرج من جوف هذا الصبى. وقد تيقظت أفكار الألمانيين وقويت فيهم الحمية الوطنية، واجتهد سواس الملة فى تقوية الرغبة فى القيام، واشتدت علائق الارتباط بين طوائفهم، وقرب الشريف من الوضيع، والآمر من المأمور، وتمالؤوا على الدفع عن حريتهم وإزالة ظلم نابليون عنهم، ولطعمه فى جذب قلوبهم إليه تزوج منهم امرأة وطلق زوجته التى كانت سبب سعده، فلم يجد ذلك شيئا بل ربما كان ذلك أول بدء نقص سعده.

وفى ذلك الوقت أعنى من سنة ألف وثمانمائة وعشرة إلى سنة ألف وثمانمائة واثنتى عشرة كانت تحت حكمه خمسون مليونا من الناس يأتمرون بأمره، من ابتداء جبال البرينه إلى الجوتلند، ومن مدينة نبل، إلى بحر البولطيقه. ويدخل فى ذلك مصب نهر الأيسكو، والرين، والألب، ومن المدن مدينة رومة، وهنبور، وأمسيردام (١). فكان ربع المملكة الفرانساوية لا يتكلم باللسان الفرانساوى مثل الولايات الرومانية، وهولندة، وويس فالى، وبيرج وجين، والتوسكان، وأخذ التمدن فى الانتشار فى جميع أرجاء المملكة، واتسعت دائرة تعليم العلوم والصنائع، وحفرت الترع والخلجان، وصار الشروع فى جملة سكك توصل الولايات بعضها إلى بعض، وقسمت جميع الجهات إلى مديريات وأقسام وأخطاط، وجرى الحكم فى جميعها على القانون الذى أسسه نابليون، بحيث لا يخرج عن جليل ولا حقير. ثم لأجل تمام سير الأحكام على قانونها رتب السيناتو، ومجلس الحقانية، والمجلس الخصوصى،


(١) كذا بالطبعة الأولى، ولعلها «أمستردام». أحمد.