وبين كيفية انتخاب أعضاء المجالس، وجعل لنفسه المآل فى قبول المنتخبين، وجعل أرباب السيناتو يدومون به إلى آخر أعمارهم، وأعضاء المجالس يتغيرون بعد كل خمس سنين وجعل المرجع إليه فى نفس الأمر، ففى الحقيقة هو المنفرد بالكلمة فى الأمور الداخلية والخارجية، مع الالتفات إلى ترتيب المدارس ونشر فنون الصناعة والزراعة والتنظيمات، خصوصا تدبير أمور الحرب والتعليمات العسكرية.
ومع كون رؤساء جميع المصالح من العلماء الراسخين فى كل فن كانت أفكاره وغزارة معارفه ومحاسن تدبيره غالبة عليهم، بحيث لا ينسب إليهم معه شئ، فكانوا كالآلات المهيئة فى يد الصانع، ومع كون الوارد إلى خزينة المملكة شيئا كثيرا جدا كان غير كاف لمصاريف الأعمال المفتتحة من المصالح العمومية، فإن مصاريف الجهادية سنة ألف وثمانمائة وأربع عشر ميلادية بلغت سبعمائة وأربعين مليونا من الفرنكات، ومصاريف الداخلية بلغت مائة وخمسين مليونا، وقد بلغ الدين الذى تراكم على المملكة ألفا وستمائة وخمسة وأربعين مليونا وأربعمائة وتسعة وستين ألف فرنك.
ولما لم يكن لاجتماع هذه المملكة العظيمة الشاسعة الأطراف أساس غير القوة القهرية الجبرية من دون ائتلاف باطنى، وليس هناك عدل يوجب إزالة الوحشة ويجلب علائق الارتباط والمحبة-كان الاضطراب حاصلا خفية فى جميع أرجائها، والولايات مختلفة ومتنافرة باطنا، خصوصا والزمن الذى انضمت فيه جميع هذه الولايات المتباينة الطباع والأحوال كان غير كاف فى تأليف الطباع وبث دواعى الارتباطات، فكانت المملكة تشبه جسما ليس به روح، وكان كل ولاية تطلب التخلص خفية والتمتع بملاذ الحرية، وكان ذلك غير خاف على نابليون فكان يقول: إنى لأرى حكومة جسيمة وجيوشا عظيمة ومجالس مرتبة، ومع ذلك باقى الأمة مثل التراب أو حب الرمل، ولا يبقى