فى الزمن السابق كان يوجد بها الخيول الجياد كثيرا فكان عند هوّارة الصعيد منها ما ينيف عن ثلاثين ألف حصان، وفى الجهات الشرقية من الوجه البحرى كانت توجد كحائل كثيرة، وكذا فى سائر جهات مصر، وكان للناس رغبة تامة فى تربيتها خصوصا وهذا القطر موافق لتربية الخيول، سيما بلاد الفيوم والصعيد والمنوفية.
ولما توالت الفتن فى زمن على بك الكبير ومحمد بك أبى الذهب ونحوهما اضمحل حال البلاد وقلت منها الخيول، وعند استيلاء العزيز محمد على على هذه الديار لم يكن فى البلاد إلا القليل منها على أجناس مختلفة.
ولما كانت الحاجة إلى الخيول ضرورية للعسكر وخلافها وجه أنظاره لذلك، فجمع من البلاد جملة من الكحائل الجياد ذكورا وإناثا وجعل لها اصطبلات بقرب القاهرة، وجعل عثمان أغا ناظرا عليها، وخصص لها شعيرا لعليقها وأرضا لربيعها وخدمة واعتنى بها اعتناء تاما، ومع ذلك لم تحصل منها الثمرة المرغوبة، بل كان أكثر نتاجها يموت أو يتعيب من كثرة الأمراض، فنسبوا ذلك إلى موضعها فنقلها العزيز إلى جواره بشبرى، وبنى لها اصطبلات وعين عليها إبراهيم أغا بن عثمان أغا المذكور لمرض قام بأبيه، فأقامت على ذلك مدة ولم تحصل ثمرة بل بقى الحال على ما هو عليه من موت النتاج أو تعيبه أو رداءته، قال: وفى ذاك الوقت كنت ناظرا على مدرسة البياطرة التى أسست فى أبى زعبل وتربى بها جملة من التلامذة، فأمرنى العزيز بالذهاب إلى شبرى للكشف عن تلك الخيول والنظر فى أسباب أمراضها وقلة نتاجها، وأن أقدم له تقريرا أبين فيه تلك الأسباب وما يلزم إجراؤه لصحتها، فبمعاينتها ظهر لى أن ما هى عليه غير جالب للصحة ورأيت أن اصطبلاتها غير مرتفعة السقوف، ولا يدخلها الهواء ولا النور إلا قليلا، وبها السبلة والفضلات الموجبة للعفونة وكثرة الذباب، وأن جميع الخيل مربوطة من رءوسها وأرجلها فلا تتمكن من تمام الحركة التى بها صحتها، وأولادها تنام تحتها فى السبلة والذباب متراكم