للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وعلى الوجه الثانى مناقب حاكم الوقت، فإن كانت لبلاد الشام يكتب عليها اسم نائب السلطنة فى الولاية التى منها ابتداء السير، وتكسى الصفيحة بشرابة من حرير أصفر ويعلقها البريدى فى رقبته بحيث تكون الشرابة بين كتفيه، وكانت تسلم لكاتب السر، فإذا تعين أحد لرئاسة البريد أعطاه كاتب السر صفيحة من هذه الصفائح ومكتوبا بخط يده ويرسله إلى الأمير اخور لاستلام الخيل اللازمة، واسم ذلك الشخص يكون مكتوبا فى سطرين من آخر التذكرة، فإذا رجع ردّ الصفيحة.

وقال صاحب كتاب «التعريف»: إن البريد كان فى زمن الأكاسرة والقياصرة، وأول من جدده فى الإسلام «معاوية بن أبى سفيان»، وقيل: «عبد الملك بن مروان»، وأن «الوليد بن عبد الملك» استعمل البريد فى نقل الفسيفساء من اسلامبول إلى دمشق عندما بنى الجامع الأموى، وجامع مكة، والمدينة، والقدس، وقد تعطل البريد فى زمن «المهدى» ثم رتبه ليصل إليه خبر ابنه «هارون» عندما كانت الحرب قائمة مع الرومانيين، فكان يستنشق أخبار ابنه فى كل وقت، ولما رجع «هارون» أبطل البريد، وقد رتبه «هارون الرشيد» فى خلافته كما كان فى زمن الأموية، ولما تولى «المأمون» وأراد الزحف على بلاد الرومانيين قام ونصب معسكره عند نهر البيدون، وكان ذلك فى فصل الصيف فقعد على شاطئه وجعل رجليه فى الماء وشرب وتلذذ، وقال لمن حوله: ما أحسن طعام يؤكل بعد شرب هذا الماء فكل واحد أجاب على حسب ما يرى، فقال الخليفة: الذى أراه يؤكل مع شرب هذا الماء هو:

تمرغراد، فقالت بطانته: اللهم أبق خليفتنا إلى أن نعود من العراق، فلم يتموا كلامهم إلا وقد حضر البريد ومعه من هذا التمر، فأكل المأمون وشرب، فتعجب الحاضرون من تحقيق بغيته عند تكلمه بها، غير أنه أصيب بالحمى بعد ذلك ومات منها.