والصابون، منشورا ومطويا بكيفيات فى أوقات وأيام بمباشرته لهم فى العمل، ثم يضعونه مطويا فى أحواض من خشب ثخين مزفت، تمتلئ من ساقية جعلها لخصوص ذلك، وعلى تلك الأحواض مدقات كمدقات الأرز تتحرك فى صعودها وهبوطها من ترس خاص يدور بدوران الساقية، وما يفيض من ماء الأحواض يجرى إلى بستان زرعه حول ذلك، فلا يذهب الماء هدرا، ثم يخرخونه بعد ذلك ويبردحونه ويصبغونه بأنواع الصباغات، ويضعونه فى مكبس كبير يقال له التخت صنعه لذلك، وعند ذلك يتم عمله، فكان الناس يتفرجون على ذلك لغرابته عندهم، ثم حضر إليه شخص فرنساوى، وأشار عليه بإشارات فى تغيير المدقات وبعض المهمات، فتكاسل عن إعادتها ثانيا وبطل ذلك، وكان مع كثرة أشغاله واتساع دائرته، يكتب ويحسب لنفسه وبين يديه عدة دفاتر لكل شئ، ولا يشغله بعض الأشياء عن بعض.
ولما اتسعت دائرته وكثرت حاشيته، واجتمعت فيه عدة مناصب مضافة لنظر المهمات، مثل معمل البارود وقاعة الفضة ومدابغ الجلود، حقد عليه كتخدا بك فى الباطن، وجرت بينهما أمور حتى قيل أن نفسه طمحت فى الكتخدائية، فكان يتصدر فى الأمور والقضايا، ويرافع ويدافع ويهزل مع الباشا ويضاحكه، ويدخل عليه من غير استئذان، فلم يزل الكتخدا يلقى فيه الدسائس ويعمل معدل الأشغال التى تحت يده، ويعرف الباشا بما يتوفر من ذلك، حتى نزعه من نظارة جميع المهمات، وقلدها صالحا كتخدا الرزاز، وحضر الكتخدا لزيارة المشهد الحسينى فى عصر يوم من رمضان، ورجع إلى داره قبل الغروب، فصادف فى طريقه عدة قصاع كبار مغطاة تحملها الرجال، فسأل عنها فقيل له: إن الودنلى يرسلها كل ليلة من رمضان إلى فقراء الأزهر وبها الثريد واللحم، فحقد عليه ووسوس للباشا أنه يؤلف الناس، ويتودد إليهم بأموالك، ولزم المترجم بيته بطالا نحو السنتين، ولم يتضعضع أمره ومطبخه