على حاله، وراتبه جار وطعامه مبذول، وفى تلك المدة اشتغل بمطالعة الكتب وعانى الحسابيات وصناعة التقويم، حتى مهر فى ذلك وعمل الدستور السنوى، وما يشتمل عليه من تقويم الكواكب السيارة، وتداخل التواريخ والأهلة والاجتماعات والاستقبالات، وطوالع التحاويل والمنصات، ويصنع بيده أيضا الصنائع الفائقة، مثل الظروف التى يضع فيها الكتبة محابرهم وأقلامهم، فيصنعها أولا من الخشب الرقيق والقرطاس المقوم المتلاصق، ويصبغها وينقشها بأنواع الليق، ويعيد على النقوشات بالسندروس المحلول، ويضعها فى صندوق من الزجاج صنعه لخصوص تلك الأشياء، ويجفف دهانها بحرارة الشمس المحجوبة بالزجاج من الهواء والغبار، فعند تمامها تكون فى غاية من الحسن والبهجة، لا يشك/من يراها أنها من صناعة الهند أو الفرنج المتقنين، وكان كلما سمع بصاحب معرفة فى فن، اجتهد فى الاجتماع به والأخذ عنه، ولو ببذل الرغائب، وبمنزله أماكن معدة لأرباب المعارف، ينزلهم فيها ويجرى عليهم النفقات والكساوى، حتى يجتنى ثمار معارفهم، وكل ليلة يجتمع عنده الفقراء، فيذكر الله معهم حصة من الليل، ثم يفرق فيهم الدراهم.
ولما طال به الإهمال والباشا كثير الغياب ولا يقيم بمصر إلا القليل، خطر بباله أن يذهب إلى بلاده، فاستأذن الباشا عند وداعه وهو متوجه إلى ناحية قبلى، فأذن له وأخذ فى أسباب السفر، فأرسل الكتخدا إلى الباشا ودس إليه كلاما، فأرسل بمنعه من السفر، وكان زوج بنته حلف بالطلاق الثلاث وحنث، ففرق بينهما وطرده، فشكاه إلى الكتخدا، فكلمه فى شأنه فلم يقبل وقال: لا أحلل المحرم لأجلك، واستمر صهره يتردد على الكتخدا ويلقى إليه فى حقه النميمة، ويقول له: إنه يجمع أناسا كل ليلة جمعة، يقرءون ويدعون