فى جميع بقاع الأرض، حتى قصدها الناس من كل فج لاجتناء ثمرات فنونها، واقتطاف زهرات صنائعها، وأخذ العلوم عن كهنتها.
(ثم اعلم) إنى لم أقصد إلاّ ذكر طرف مما قيل فيها خصوصا ما ذكره مؤرخو الروم والإفرنج، فإن ما ذكره العرب مسطر فى كتبهم، والإطلاع عليه ليس يعسر على أحد، فأرجو ممن يحب الإطلاع على هذا الكتاب، أن يسير معه سير صاحب لا يمل الصحبة، عند/ذكرنا الخراب الممتد بشاطئ النيل، إلى جبل الشرق من جهة صحراء بلاد المغرب، وإلى جبل الغرب من ساحل بلاد المغرب، وأن يلقى سمعه إلى ما نذكره له من أقوال المؤرخين الذين بذلوا جهدهم فى تحقيق هذا الشأن، وهم لعمرى الفرسان فى هذا الميدان.
ثم إن أوّل أمر يلزم معرفته، هو تعيين موضع هذه المدينة، وذلك يكون بواسطة نقط ثابتة معروفة، لا يعتريها تغيير، وفى هذه المسألة قد تكفل بإيضاحها هيرودوط، فإنه أول من ساح فى هذه الأرض فى الأزمان الماضية، وقد قال ما معناه: أن من البحر المالح إلى مدينة عين شمس ١٥٠٠ غلوة (استاده)، ونوّه فى كلامه بأن الغلوة التى استعملها، هى الغلوة المصرية المتفق على مقدارها بين المؤلفين، ومن أسوان إلى طيوة ١٨٠٠ استادة، وأن من عين شمس إليها بحسب سير البحر، تسعة أيام وقدر ذلك ٤٨٦٠ استادة، ومن البحر إلى طيوة من وسط الأرض، أى بالسير على خط مستقيم ٦١٣٠ استادة، واعتمده (جوسلان) الفلكى.
وأن محيط الدائرة العظيمة الأرضية يحتوى عليها أربعمائة ألف مرة، فإذا فرضنا أن ذلك المحيط منقسم إلى أربعمائة قسم متساوية تسمى درجات، تكون الدرجة الواحدة التى هى مائة ألف متر، عبارة عن ألف غلوة، فتكون الغلوة المصرية (مائة متر)، ويكون البعد من أسوان إلى مدينة طيبة ١٨٠٠٠ متر، وقد قيس هذا القدر على الخريطة التى عملت زمن الفرنساوية، فوجد