وحفر الخليج من النيل إلى القلزم ينسب إلى (ينكوس)، إلا أن سيزوستريس هو أول من اهتم بحفره وهو وإن لم يتممه فقد تمم أعمالا كثيرة بها اتسعت دائرة ثروة القطر، وعلت درجة فخره، فإنه من بين سائر الفراعنة هو الذى اهتم بتمليك الأراضى للأهالى وتوزيعها عليهم، وتقسيم ماء النيل بين جميع النواحى، بترع وخلجان احتفرها لسهولة الرى، ونقل المحصولات من بعض جهات القطر إلى بعضها، ومنها إلى الخارج، وكثرت فتوحاته فى الأقطار الشاسعة، حتى أكسب المصريين اسما، واشتهروا بالسطوة، وسارت بذكرهم الركبان فى جميع الآفاق، وكانت مصر فى وقته فى أقصى درجات العمار، بما أنشأه فيها من المبانى النفيسة والعمارات المقدسة اللطيفة، ومما ذكره ديودور الصقلي يتحقق: أن فتح بلاد الهند كان على يد فرعون مصر هذا، وما قاله من أن هذا الفرعون أهدى إلى المقدس المعبود فى هذه المدينة، سفينة كبيرة مصفحة من خارجها بصفائح الفضة، ومن داخلها بصفائح الذهب، يدل على أن الملاحة فى زمنه كانت من أعظم الأمور، وأنه كان أكد الرغبة فى التجارة عند المصريين، حتى تشبثوا جميعا بأذيالها، ونالوا بذلك من الثروة والرفاهية ما لا مزيد عليه، ثم إن وجود التجارة فى مدته بهذه الدرجة العظيمة، يدل على أنها كانت موجودة من قبله، وأن صناعة الملاحة كانت قبل زمنه معلومه للمصريين، غاية الأمر أنها فى زمنه زادت الرغبة فيها واتسعت دائرتها على حسب اتساع دائرة التجارة والعلائق بينه وبين أهل البلاد المجاورة له، أو بينه وبين من تغلب عليه من الأمم.
ثم إن هذه المدينة كما أنها كانت مركزا للتجارة وخلافها، كانت أيضا مركزا للديانة، فكانت كعبة لجميع المتمسكين بالديانة، يحجون إليها فى المواسم والأعياد والموالد المتتابعة فى السنة، ولا شك أن كل ذلك ينتج اختصاصها بالفخر التليد الذى لم يسبقها إليه غيرها، حتى وصلت طائفة الكهنة إلى أعلى درجات العز وأكثروا المعابد وزينوها بأحسن زينة بسبب