للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والحامل على تسميته ميمون باليونانية، أنه كان فيمن تعرض لأسمائهم (أميروس) فى أشعاره بشجاع مسمى بهذا الاسم، واسم والده (الغلس)، وأن ملكا من ملوك الحبشة سمى بهذا الاسم أيضا، قرأوا أن الديار المصرية: ربما كانت لا تخلو من وجود هذا الاسم فيها، فبحثوا عنه فى جميع جهاتها ونواحيها، فوجدوا فى مدينة طيبة فى المحل الذى به التمثال حارة مسماة (بميمنونيوم) فاختصروه وجعلوه (ميمون) وسموا به ذلك التمثال، ثم أن هذا الصوت إنما كان يحصل من تعاقب حرارة النهار ورطوبة الليل، أعنى فى وقت الغلس، لكن الكهنة لما رأوا ذلك يحصل دائما فى الوقت المخصوص، انتهزوا فرصة تعظيم هذا التمثال على عادتهم فى التمويه على الناس، فقالوا: إن ميمون صاحب هذا التمثال، يقرأ على والدته وهى الشمس السلام كل يوم فى هذا الوقت، وجعلوا ذلك خصوصية لهذا التمثال، ومنقبة يحترم بسببها، وأدخلوا ذلك على الخلق على عادتهم فى أمور الديانة حتى تمكن من عقول الأكابر والأصاغر والعام والخاص، فلما جاء اليونان تلقوه بالقبول واعتقدوه ديانة، فلم يزدد عند الناس إلا تمكنا وانتشارا، حتى صار الناس يزورونه ويتبركون به ويقربون إليه القرابين، وتسارع إلى ذلك الملوك قبل الصعاليك، والأكابر قبل الأصاغر فانظر كيف أسس الكهنة هذه الخرافات التى سارت بها الركبان، ولم يتدبرها أحد من أهل العرفان، وكثيرا ما أدخلوا الأباطيل على عقول الناس، واستمر ذلك فيمن بعدهم جيلا بعد جيل، فلذا تجد المصريين من قديم الزمان إلى الآن، غريقين فى بحار التقليدات، وأسرى تحت أيدى التمويهات، مع أن دخول الخطأ على الإنسان بسبب غيره أكثر من دخوله عليه بسبب نفسه، ومن تنبه عرف ذلك، ولكن نشأت الكافة على الغفلة والتسليم لأرباب الدعوى، حتى صار ذلك كالجبلة لهم، وإذا حصل لأحدهم شك فى دعوى مدع، فلا يتمكن من مخالفته ولا الرد عليه، بل يكون مجبورا على اتباعه، ولذلك كانوا