واتفق أنه لما ولى الأمير جانم بن قصروه لإمرة الحاج فى سنة ست وأربعين، وكان ذلك قبل الشروع فى عمارة النقب وتسهيل طرقه، تأخر نزول الركب وسبقه أمير الحاج إلى المناخ، واعتمد فى الركب على بعض جماعته، فلم يجد الركب من يسهل طريقهم، فاستمروا ينزلون من النقب شيئا فشيئا إلى الليل، ففزعت بنو عطية بالنخل وبجوانب الركب وبالطرقات تنهب وتعرى، والصياح يتزايد من كل جهة، وكثرت الغوغاء على أمير الحاج لإهماله، فلما أصبح طلب مشايخ الحويطات بالأمان، فطيب خواطرهم ووعدهم بكل جميل، وحضر مؤلف هذا الكتاب (يعنى كتاب: الحاج) صحبة قاضى المحمل إلى مخيم أمير الحاج، وأشهد أمير الحاج على مشايخ الحويطات بالقيام بالدرك، ورتب لهم من ماله ألفى نصف من الفضة، وقرر لهم ما كان لبنى شاكر من ديوان السلطنة وهو من الفضة ثمانمائة وخمسة عشر نصفا، وجعل لهم ما كان لبنى شاكر من الجوخ المخيط والشاشات والملاليط، وزادهم عليه من ماله وأشهد على نفسه بدفع هذا القدر فى كل سنة، ودفع لهم ذلك، فداهنوه إلى أن عزل بعد تنظيف النقب فى سنة اثنتين وخمسين بولاية الأمير أيدين الرومى للإمرة فى تلك السنة، فدفع لهم نصف القدر فى الطلعة، وذكر أنه يعطى باقيه فى حالة الإياب بعد الصعود إلى السطح ولم يفعل ذلك عند عوده.
ثم ولى بعده الأمير حسين كاشف البهنساوية والفيوم، وكان من الفروسية بمكان، فاتفق أنهم تعرضوا لبعض الحجاج بالنقب وسلبوه، فلما نزل أمير الحاج إلى المناخ وقت المغرب، لبس لأمة حربه، وخرج ومعه المشاعل والطوف من الوطاق، كأنه يريد حراسة الركب ليلا، فلم يشعر عرب الحويطات إلا وقد فاجأهم فى بيوتهم كبسا، وأطلق فيها النار ليحرقها، فهربت الرجال، فأدرك منهم ثلاثة من أعيانهم، فقطع