للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعظم النفع بها، وذلك أننى أدركت بعيون القصب ماء يخرج من بين الجبلين يسيح على وجه الأرض، فينبت من القصب الفارسى وغيره شئ كثير، ويرتفع فى الماء حتى يتجاوز قامة الرجل فى عرض كثير، فإذا نزل الحاج عيون القصب أقاموا يومهم على هذا الماء، فيغتسلون منه ويتبردون، ثم انقطع هذا الماء وجفت هذه الأشعاب، فصار الحاج إذا نزل هناك احتفر حفائر يخرج منها ماء ردئ إذا بات فى القرب أنتن، فأغاث الله العباد بهذه البئر، وخرج ماؤها عذبا. انتهى كلامه.

(وأقول): قد أعاد الله ذلك الماء الجارى والأقصاب والنجيل على أحسن عادة، وما أدركنا هذا المحل من باكورة العمر إلا على هذه الصفة، ولا شاهدنا أهل الركب يحفرون شيئا من الحفائر، ولا يجنحون إليه مطلقا، والبئر المذكورة موجودة الآن ولا نفع بها إلا إذا نزحت العيون لطول السنين، وأما تغير الماء بسرعة فهو على ذلك بواسطة ما يكدّره من المنابت، ونزلنا فى هذا الوادى كثيرا، وتكرر ترددنا إليه فى أوقات حسنة مع كثير من الأمراء وغيرهم، وجلب إلينا فى هذا المحل مرارا عديدة من الأسماك الطرية التى تصطاد بساحل البحر، وهناك صيادون فى قوارب لذلك، ومن بيض السمك وهو كصغار بيض الدجاج، وفى قدره ومثاله يطبخ ويؤكل، ومن الأغنام السمان واللبن والسمن والعسل النحل والبطيخ الكبير القدر الحسن الطعم، والتفاح المجلوب من قرية معتادة والعنب فى بعض الأحيان والتمر.

وأما فى زمن الحر الشديد فذلك الوادى لا يكاد يوصف ما يمر به على الركب من شدة المشقة؛ لكثرة هوائه الحار المهلك المنشف للقرب القاتل لمن أراد الله انقضاء أجله من المشاة والفقراء وأهل التعب، وقد ذكرت بعض ذلك مفرقا فى تعاقب السنين، ومحطة الركب