ثم إن الآثار الموجودة الآن هى آثار مدينة أبيدوس المذكورة، ولشهرتها وجب علينا تجديد موضعها تبعا لمن ذكرها من المؤلفين، ففى «خطط انتونان» أن بين مدينة ديوسبوليس باروا (هو)، ومدينة أبيدوس ثمانية وعشرين ميلا، ولو قيس على الخرطة من (هو)، التى هى مكان مدينة ديوسبوليس إلى هذه المدينة، لوجد ما بينهما واحدا وأربعين ألف متر، وهو الثمانية والعشرون ميلا المذكورة، وقد قدر بلين ما بين مدينة أبيدوس والنهر بسبعة أميال ونصف، والآن بين المدفونة وأقرب نقطة من النيل سبعة آلاف وخمسمائة متر، وهى عبارة عن خمسة أميال، ويظهر أن النيل أكل من الشاطئ الشمالى، وتحول عن الشاطئ الآخر، كما يحصل ذلك فى نقط كثيرة من وادى النيل فى كل سنة، ثم أنه كان حول هذه المدينة أرض خصبة صالحة للزرع، وبسبب الإهمال وتغير الأحوال صارت الرمال تسطو هناك كل سنة، وتغطى الأرض شيئا فشيئا حتى أفسدت أرضها بالكلية، فخربت البلد وفارقها أهلها من زمن مديد، والآن فى محل المدينة قريتان:
إحداهما: تسمى الخربة، والأخرى: الخرابة، وهما عرضة لتسلط الرمال عليهما، والسبب الموجب لسيلان الرمال فى هذه الجهة، هو أن فى مقابلة أبيدوس واديا متسعا تنسف الأرياح منه الرمال، وتنشرها على الأرض.
وكانت الأراضى والبلاد والمبانى فى الأزمان السالفة محفوظة من ذلك، إما بترع تجرى فيها المياه وتطهر كل سنة، وإما بأبنية من الآجر سميكة يختلف ارتفاعها باختلاف الحاجة، وذكر «بولو تارك» أن أمراء مصر كانوا يختارون الدفن فى مقابر تلك المدينة؛ لاعتقادهم أن القبر الحقيقى لأوزريس/لا يوجد إلا فيها وفى مدينة منفيس، وذكر أمايان مارسلان أنه كان فى المدينة كاهن يخبر بالغيب اسمه بيزا وكان له