من أموال الناس، فقم بنا نخرج إليه ونملكك ونجعل الأمر إليك ففعل، ووثبوا على يحيى فركب إليهم وهو سكران فقتل وتم له الأمر، ثم ملك بعد ذلك قرطبة وغيرها من البلاد، وقصته مشهورة مع من زعم أنه هشام بن الحكم آخر ملوك بنى أمية بالأندلس، الذى كان المنصور بن أبى عامر قد استولى عليه وحجبه عن الناس، وكان يصدر الأمور عن غير إشارته، ولا يمكنه من التصرف، وليس له سوى الاسم والخطبة على المنابر، فإنه كان قد انقطع خبره مدة نيف وعشرين سنة، وجرت أحوال مختلفة فى هذه المدة، ثم قيل للقاضى محمد المذكور بعد تملكه واستيلائه على البلاد إن هشام بن الحكم فى مسجد بقلعة رياح، فأرسل إليه من أحضره وفوض الأمر إليه، وجعل نفسه كالوزير بين يديه.
وفى هذه الواقعة يقول الحافظ أبو محمد بن حزم الظاهرى فى كتاب:«نقط العروس» أخلوقة لم يقع فى الدهر مثلها، فإنه ظهر رجل يقال له خلف الحصرى بعد نيف وعشرين سنة من موت هشام بن الحكم المنعوت بالمؤيد، وادعى أنه هشام فبويع وخطب له على جميع منابر الأندلس فى أوقات شتى، وسفك الدماء، وتصادمت الجيوش فى أمره، وأقام المدعى أنه هشام نيفا وعشرين سنة، والقاضى محمد بن إسماعيل فى رتبة الوزير بين يديه، والأمر إليه، ولم يزل الأمر كذلك إلى أن توفى المدعو هشاما، فاستبد القاضى محمد بالأمر بعده، وكان من أهل العلم والأدب والمعرفة التامة بتدبير الدول، ولم يزل ملكا مستقلا إلى أن توفى ليلة الأحد لليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وقيل إنه عاش إلى قريب الخمسين وأربعمائة ودفن بقصر إشبيلية.