للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولما مات محمد القاضى، قام مقامه ولده المعتضد بالله أبو عمرو عباد، قال أبو الحسن على بن بسام صاحب كتاب: «الذخيرة» فى حقه:

ثم أقصى الأمر إلى عباد سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، وتسمى أولا بفخر الدولة ثم بالمعتضد قطب رحى الفتنة، ومنتهى غاية المحنة، وكان رجلا جبارا أبرم الأمر متناقضا، لم يثبت له قائم ولا حصيد ولا سلم منه قريب ولا بعيد، متهورا لا تتحاماه الدهاه، وجبانا لا تأمنه الكماه، ضبط شأنه حتى طالت يداه واتسع بلده، وكثر عديده وعدده، وكان قد أوتى أيضا من جمال الصورة، وتمام الخلقة وبساطة البنان وثقوب الذهن، ما فاق به على نظرائه، قد حصل من الأدب على قطعة وافرة علقها من غير تعمد لها ولا إمعان النظر فى مطالعتها، فكانت له سجية على تحبير الكلام، وقرض الشعر وأخباره فى جميع أفعاله وأنحائه غريبة بديعة، وكان ذا كلف بالنساء، فاستوسع باتخاذهن، ففشا نسله، وكان له من الولد نحو العشرين ذكورا والعشرين إناثا، ومن شعره:

شربنا وجفن الليل يغسل كحله … بماء صباح والنسيم رقيق

معتقة كالتبر أما بخارها … فضخم وأما جسمها فرقيق

ولم يزل فى عز سلطانه واغتنام مساره، حتى أصابته علة الذبحة فلم تطل مدتها، وتوفى يوم الاثنين غرة جمادى الآخرة سنة إحدى وستين وأربعمائة، ودفن ثانى يوم بمدينة إشبيلية.

وقام بالمملكة بعده ولده المعتمد على الله أبو القاسم محمد، قال أبو الحسن على بن القطاع السعدى فى كتاب: «لمح الملح»: إن المعتمد المذكور أندى ملوك الأندلس راحة، وأرحبهم ساحة، وكانت حضرته ملقى الرحال، وموسم الشعراء وقبلة الآمال، حتى إنه لم