للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبلغ الأذفونش الخبر وهو بطليطلة، فخرج فى أربعين ألف فارس غير من انضم إليه، وكتب الأذفونش إلى الأمير يوسف كتابا يتهدده وأطال الكتابة، فكتب يوسف الجواب فى ظهره: «الذى يكون ستراه» ورده إليه، فلما وقف عليه ارتاع قلبه لذلك، وقال هذا رجل عارم، ثم التقى الجيشان فى مكان يقال له الزلاقة من بلد بطليوس، فكانت النصرة للمسلمين، وهرب الأذفونش بعد استئصال عساكره، ولم يسلم معه سوى نفر يسير، وكان ذلك فى منتصف رجب من سنة تسع وسبعين وأربعمائة، وهذه الوقعة من أشهر الوقائع، ويؤرخ بعامها فى بلاد الأندلس، فيقال عام الزلاقة، وثبت المعتمد فى ذلك اليوم ثباتا عظيما، وأصابه عدة جراحات فى وجهه وبدنه، وشهد له بالشجاعة وغنم المسلمون، ورجع الأمير يوسف إلى بلاده والمعتمد إلى بلاده.

ثم إن الأمير يوسف عاد إلى الأندلس فى العام الثانى، وقد أعجبه حسن بلادها وبهجتها، وما بها من المبانى والبساتين والمطاعم وسائر أصناف الأموال التى لا توجد فى مراكش، فإنها بلاد بربر وأجلاف العرب، وجعل خواصه يحسنون له أخذها، ويغرون قلبه على المعتمد بأشياء نقلوها عنه، فتغير عليه وقصده، وجهز إليه العساكر، وقدم عليها سير بن أبى بكر الأندلسى، فوصل إلى إشبلية وبها المعتمد، فحاصره أشد محاصرة، وظهر من مصابرة المعتمد وشدة بأسه وتراميه على الموت بنفسه ما لم يسمع بمثله، والناس بالبلد قد استولى عليهم الفزع وخامرهم الجزع، يقطعون سبلها سياحة، ويخوضون نهرها سباحة، ويترامون من شرفات الأسوار.

فلما كان يوم الأحد لعشرين من رجب سنة أربع وثمانين وأربعمائة، هجم عسكر الأمير يوسف البلد وشنوا فيها الغارات، ولم