يتركوا لأحد شيئا، وخرج الناس من منازلهم يسترون عوراتهم بأيديهم، وقبض على المعتمد وأهله، وكان قد قتل له ولدان قبل ذلك، أحدهما المأمون وكان ينوب عن والده فى قرطبة، والثانى الراضى وكان ينوب عنه فى رندة، وهى من الحصون المنيعة، ولأبيهما فيهما مراث عديدة.
ولما أخذ المعتمد قيدوه من ساعته، وجعل مع أهله فى سفينة، قال ابن خاقان فى:«قلائد العقيان» فى هذا الموضع: ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجوارى المنشآت، وضمتهم كأنهم أموات، فساروا واليوم يحدوهم والنوح باللوعة لا يعدوهم، وفى ذلك يقول أبو بكر محمد بن عيسى إسماعيل الدانى المعروف بابن اللبانة:
تبكى السماء بدمع مع رائح غادى … على البهاليل من أنباء عباد
وهى قصيدة طويلة من جملتها:
يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ … فى ضم رحلك واجمع فضلة الزاد
وتألم المعتمد يوما من قيده وضيقه وثقله فأنشد:
تبدلت من ظل عز البنود … بذل الحديد وثقل القيود
وكان حديدىّ سنانا زليقا … وعضبا رقيقا صقيل الحديد
وقد صار ذاك وذا أدهما … يعض بساقى عض الأسود
ثم إنهم حملوا إلى الأمير يوسف بمراكش، فأمر بإرسال المعتمد إلى مدينة أغمات، واعتقاله بها إلى الممات.
قال ابن خاقان: ولما أجلى عن بلاده، وأعرى من طارفه وتلاده، وحمل إلى السفين، وأحل فى العدوة محل الدفين، تندبه منابره