وأعواده، ولا يدنو منه زوّاره ولا عوّاده، بقى آسفا تتصعد زفراته، وتطرد أطراد المذانب عبراته، لا يخلو بمؤانس، ولا يرى إلا غريبا بدلا عن تلك المكانس، ولما لم يجد سلوّا، ولم يؤمّل دنوّا، ولم ير وجه سره مجلوّا، تذكر منازله فشاقته، وتصور بهجتها فراقته، وتخيل استيحاش أوطانه، وإجهاش قصره إلى قطانه، وإظلامه من أقماره، وخلوه من حراسه وسماره.
وفى اعتقاله يقول أبو بكر الدانى قصيدته المشهورة التى أولها:
لكل شئ من الأشياء ميقات … وللمنى من مناياهن غايات
/والدهر فى صبغة الحرباء منغمس … ألوان حالاته فيها استحالات
ونحن من لعب الشطرنج فى يده … وربما قمرت بالبيدق الشاة
انفض يديك من الدنيا وساكنها … فالأرض قد أقفرت والناس قد ماتوا
وقل لعالمها الأرضى قد كتمت … سريرة العالم العلوى أغمات
وهى قصيدة جليلة، لكنه غلط فى إثبات التاء فى الشاة، وإنما هو بالهاء الملك العجمى.
وله أيضا فى حبسه قصيدة عملها بأغمات منها:
تنشق رياحين السلام فإنما … أفض بها مسكا عليك مختما
أفكر فى عصر مضى لك مشرقا … فيرجع ضوء الصبح عندى مظلما
إلى أن قال فيها:
وإنى على رسمى مقيم فإن أمت … سأجعل للباكين رسمى موسما