والمدعى عليه فرنكا، ويكتبون الدعوى ويقدمونها إلى المفتى، فيكتب لنا بما يستحق الجانى، فكنا نعامل بعضهم بالضرب والبعض بالسجن، والبعض بتشغيله فى نقل الفحم إلى محل الأفران، فبتلك الأسباب قلت دعاويهم وبطل تشكيهم.
وكان يموت منهم كل يوم نحو عشرين نفسا، فنجد كثيرا من الموتى عرايا ليس عليهم ما يستر العورة، وينكر الأحياء سلب ثيابهم، فكنا نغسلهم ونلقيهم فى البحر، ولما تكاثر فيهم الإسهال والموت حصل لخدمة الوابور المرض، فانتخبنا من أقوياء المغاربة جملة لخدمة الوابور بدلا عن العساكر، وصرفنا لهم من التعيين زيادة عن استحقاقهم الأصلى، ومما اتفق أن رجلا منهم كان له على آخر ريالان، وكلما طلبهما منه يقول له: اترك ريالا فى سبيل الله وأعطيك الريال الآخر، وترافعا إلينا، فقلنا لرب الحق: خذ منه الريال واصبر عليه بالريال الآخر إلى بلده حيث إنه فقير، فأفادنا صاحب الحق أنه ليس بفقير، وأنه سرق وهو فى مكة المشرفة مائة بينتو وها هى على وسطه، ففتشناه فوجدنا المائة بينتو، فأخذناها وسلمناها لشيخ القبيلة، وحجزنا منها خمسة؛ ليشترى لذلك السارق كل يوم دجاجة، لأنه كان مريضا، فكان يصرخ كالمجنون من الصباح إلى المساء، ويقول: لا أريد الدجاج، وهذه النقود حق أولادى، ثم يأكل الدجاجة حتى شفى من مريضه.
وكان رجل منهم يسأل الصدقة من أهل الوابور، فلما مات وجدنا حوله المغاربة يتخاصمون، فسألنا أحدهم، فقال: إنهم نهبوا أمواله، ولم يعطونى قسما معهم، فجمعنا النقود منهم، فإذا هى مائة وأربعون بينتو، غير كيس مملوء من بقسماط الصدقة، فسلمنا هذه النقود لشيخ القبيلة من بعد أخذ الشهادة منهم بأنه أمين يؤدى الأمانة إلى