للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وغيره صار الوقت يضيق عليهم، فيتفقون على القطع من ضواحى القاهرة، فقطعت تلك الحراج ولم يبق إلا النزر اليسير، وكذلك بضواحى ناى وطنان، ثم مالوا على أشجار قليوب، التى ما كان أحد يقدر أن يقطع منها طرفا من أطراف السنط، لما كان الشهيد (يعنى الملك الكامل) قد نهى عنه، واهتم بحفظ معالم البلاد من النخل والشجر، حتى إنه رسم بمساحة بساتين مصر والقاهرة والجيزة وغيرها، وعد ما فيها من الأشجار والسنط والأثل وغير ذلك، وعملت بها أوراق وخلدت فى الديوان.

وكانت العادة فى قليوب، لما كانت تحت نظر المملوك (يعنى نفسه)، أنه إذا نفق لبعض المزارعين بها شئ من العوامل (بهائم العمل)، وأنهى أنه لا قدرة له على تعويضه، وأن فى بستانه سنطة، يتلف ظلها ما حولها من الشجر، ويسأل أن يمكن من قطعها ليبيعها، ويشترى بثمنها ما يدير به ساقيته، فيوقع المملوك فى ظهر رقعته بالكشف عما أنهاه، فإذا كان صحيحا مكن من قطع ما قيمته قدر حاجته، وثبوت ذلك بالشهود العدول، ومع ذلك فكانوا يسرقون ويبيعون وهم ممنوعون، فكيف وقد أبيح القطع فيها.

ومن العجائب أن المملوك سأل المسعودى واليها الآن عن قليوب، هل اهتم أحد بإنشاء ما غرق من بساتيها، فقال: قد شرعوا، فقال له:

إياك أن تمكن أحدا من قطع شئ من أشجارها، فقال المسعودى:

والله لقد قطعوا منها منذ أيام أربعة آلاف عود، فقال المملوك: لو حفظت الحراج لقطع منها أربعون ألف عود أو خمسون، تكون فى حاصل الصناعة، يصرف منها فى المهمات، فتوفر قليوب، ولو خرج الأمر بإعفاء قليوب من ذلك لعمرت وتراجعت أحوالها إلى الصلاح، بل والله يلزم من قطع من قليوب وترك الحراج العظيمة الكبيرة، ثمن ما قطع من قليوب فى الذمة بالشرع والوضع انتهى.