الحواس منحرف المزاج إلى أن مات فى منتصف ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين ومائتين وألف ودفن هناك رحمه الله تعالى. انتهى.
وسبب نفيه كما فى الجبرتى أيضا: أن العزيز محمد علىّ كان يحب الشوكة ونفوذ الكلمة ولا يصطفى إلا من لا يعارضه فلما حصلت وقعة قيام العسكر فى أواخر سنة ثلاثين وأقام الباشا بالقلعة يدبر أمره معهم، وألزم أعيان المتظاهرين الطلوع إليه فى كل ليلة، كان أجل المتعممين الدواخلى لكونه معدودا فى العلماء ونقيبا على الأشراف، فداخله الغرور وظن أن الباشا قد وقع فى ورطة يطلب النجاة منها، ولكونه رآه يسترضى خواطر الرعية المنهوبين ويقوّم أشياءهم ويدفع لهم أثمانها ويستميل كبار العسكر وينعم عليهم بالمقادير الكثيرة، ورأى إقبال الباشا عليه زاد طمعه فى الاسترسال معه فقال له: الله يحفظ حضرة أفندينا وينصره على أعدائه والمخالفين له، ونرجو من إحسانه بعد هدء سره وسكون هذه الفتنة أن ينعم علينا ويجرينا على عوائدنا فى الحمايات والمسامحات فى كل ما يتعلق بنا من خصوص الالتزام والرزق.
فأجابه بقوله: نعم يكون ذلك ولابد من الراحة لكم ولكافة الناس. فدعا له وآنس فؤاده ثم قال: كذلك يكون تمام ما أشرتم به من الإفراج عن الرزق والإحباسية فى المساجد والفقراء. فوعد بذلك.
فكان الدواخلى إذا نزل من القلعة إلى داره يحكى فى مجلسه ما يكون بينه وبين الباشا من هذا الكلام وأمثاله ويذيعه فى الناس، ولما أمر الباشا الكتاب بتحرير حساب الملتزمين على الوجه المرضى بديوان خاص لرجال دائرة الباش وأكابر العساكر وذلك بالقلعة تطييبا لخاطرهم. وديوان آخر فى المدينة لعامة الملتزمين يحررون للخاصة بالقلعة ما فى القوائم من مصر وفهم ما كانوا يأخذون من المضاف والبرانى والهدايا وغير ذلك والديوان العام التحتانى بخلاف ذلك. ورأى الدواخلى ذلك الترتيب قال للباشا: وأنا الفقير محسوبكم من رجال الدائرة فقال: نعم. وصار إدراجه فى قوائم الأكابر وأنعم عليهم