يطلبونه للحضور أو يرسل الأمراء الذين عنده فأرسل يعتذر عن الحضور ويقول:
إنه محافظ على الجهة التى هو بها، فأرسلوا إليه بالاستكشاف عن أمر الوزير، فأرسل يخبرهم: أنه أرسل إليه هجانا من نحو عشرة أيام، وإلى الآن لم يحضر، وأن الفرنساوية إذا ظفروا بالعثمانية لا يقتلونهم ولا يؤذنهم وأنتم كذلك، فاقبلوا نصيحتى واطلبوا الصلح معهم واخرجوا سالمين. فحنق من ذلك حسن بيك الجداوى، وعثمان بيك الأشقر وغيرهما وسفهوا رأيه. وقالوا:/كيف ذلك، وقد دخلنا البلد وملكناها، فلا نخرج منها أبدا.
وأشار إبراهيم بيك برجوع البرديسى، وعثمان بيك الأشقر أتى مراد بيك ليقول له الأشقر ما يقول. فلما اجتمع به رجع فاتر الهمة خلاف ما كان عليه أولا، وجنح لرأى مراد بيك، واستمر اشتعال نيران الحرب، وزادت شدة الكرب، وصراخ النساء. وكانت إقامة النساء والصبيان بأسفل الحواصل تحت طبقات الأبنية، وكأنما على رءوس الناس الطير من الدهشة، ولا يهنأ لهم نوم ولا راحة، وفى أثناء تلك الشدة قد فرضوا على الناس مائة كيس وزعوها على أهل اليسار كالسادات والصاوى، وكل ساعة تهجم العساكر الفرنساوية على جهة من الجهات ويحاربون من بها ويملكون منهم بعض المتاريس ويتسامع الناس بذلك ويقولون عليكم بالجهة الفلانية فيرمحون إليها حتى يجلوهم عنها وينتقلون إلى غيرها، وهكذا والوالى والأغا يكررون المناداة، والمشايخ والفقهاء، والسيد أحمد المحروقى، والسيد عمر النقيب يمرون كل وقت ويحرضون الناس على القتال وكذلك بعض العثمانية يطوفون مع أتباع الشرطة وينادون باللغة التركية.
ولم يزل الحال على ذلك إلى مضى نحو عشرة أيام، فنصب الفرنسيس فى وسط البركة فسطاطا لطيفا، وأقاموا عليه علما وأبطلوا الرمى تلك الليلة وأرسلوا رسولا إلى الباشا والكتخدا والأمراء يطلبون المشايخ ليتكلموا معهم فى شأن هذا الأمر، فأرسلوا الشرقاوى والمهدى والفيومى والسرسى وغيرهم.