للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهم بالمدافع والبنادق، فأرسلوا يسألون عن الجواب الذى توجه به المشايخ، فأرسل إليهم الباشا والكتخدا يقولان لهم: إن العساكر لم يرضوا بذلك. بل قالوا: لا نرجع عن حربهم حتى نظفر بهم أو نموت عن آخرنا، وليس فى قدرتنا قهرهم على الصلح. فأرسل إليهم الفرنساوية ورقة من ضمنها: قد عجبنا من قولكم: لم ترض العساكر. وكيف يكون الأمير أميرا على جند ولا ينفذ أمره فيهم. وأرسلوا أيضا إلى بولاق يطلبون الصلح ويحذرونهم عاقبة ذلك. فلم يرضوا وصمموا على العناد، فكرروا عليهم المراسلة وهم لا يزدادون إلا مخالفة.

وفى خامس مرة أرسلوا فرنساويا يقول: أمان أمان سواء سواء. وبيده ورقة من سر عسكر، فأنزلوه من على فرسه وقتلوه، وحضر الألفى إلى عثمان كتخدا برأى ابتدعه ظن أنه صواب. وهو أن يرفعوا على المنارات أعلاما نهارا ويوقدون عليها القناديل ليلا ليرى ذلك العسكر القادمون فيهتدون ويعلمون أن البلد بيد المسلمين وأنهم منصورون وذلك لغلبة ظن الناس أن هناك عساكر قادمين لنجدتهم، ولم يجدوا من ذلك شيئا بل تخلف ظنهم واستمر هذا الحال بين الفريقين إلى يوم الخميس الثانى والعشرين من الشهر الموافق العاشر برمودة القبطى وسادس نيسان الرومى، فغيمت السماء غيما كثيفا، وأرعدت رعدا مزعجا وأمطرت مطرا غزيزا فسالت المياه فى الجهات، وتوحلت السكك والطرقات، فاشتغل الناس بتجريف المياه والأوحال وتلطخت/سراويل الأمراء والعساكر ومراكيبهم. فهجم الفرنساوية على مصر وبولاق من كل ناحية، ولم يبالوا الأمطار لأنهم فى خارج الأبنية وهى لا تتأثر بالمياه كداخل الأبنية، وعندهم الاستعداد والتحفظ والخفة فى ملابسهم وما على رءوسهم، وكذا أسلحتهم وعددهم وصنائعهم بخلاف المسلمين. فاغتنم الفرنساوية الفرصة ودخلوا البلدين وعملوا فتائل مغمسة بالزيت والقطران، وكعكات غليظة ملوية على أعناقهم بالنفط والمياه المصنوعة المقطرة التى تشتعل ويقوى لهيبها بالماء.