وكان معظم كبستهم من ناحية باب الحديد، وكوم الريش، وجهة بركة الرطل، وقنطرة الحاجب، والحسينية، وجهة الرميلة. فكانوا يرمون المدافع والبنبات من قلعة جامع الظاهر، وقلعة قنطرة الليمون، ويهجمون وأمامهم المدافع وخلفهم طائفة بواردية يقال لهم: السلطات، أى العسكر يرمون بالبندق. وطائفة بأيديهم الفتائل والكعكات المشتعلة بالنيران يلهبون بها السقوف وأبواب الحوانيت وشبابيك الدور، ويزحفون على هذه الصورة شيئا فشيئا.
والمسلمون أيضا بذلوا جهدهم وقاتلوا بشدة همتهم وعزمهم وزلزلوا زلزالا شديدا. وهاجت العامة وخرجت النساء والصبيان، ونطوا من الحيطان والأمطار تسح حصة من النهار، وليلة الجمعة، وكذلك الرعد والبرق وعثمان بيك الأشقر الإبراهيمى، وعثمان بيك البرديسى المرادى، ومصطفى كاشف، ورستم بيك يذهبون ويجيئون بين الفرنسيس والمسلمين طلبا للصلح.
ثم إنهم هجموا على بولاق من ناحية البحر ومن ناحية بوابة أبى على بالطريقة المذكور بعضها. وقاتل أهل بولاق جهدهم ورموا بأنفسهم فى النيران حتى غلب الفرنسيس عليهم وحاصروهم من كل جهة واستعملوا فيهم الحرق والقتل والنهب والسلب. وملكوا بولاق وفعلوا بأهلها ما تشيب من سماعه النواصى، وصارت القتلى مطروحة بالطرقات والأزقة والدور والقصور محترقة.
وهرب كثير منهم إلى الجهة القبلية، ثم أحاطوا بالبلد ومنعوا من يخرج منها، واستولوا على الخانات والوكائل والحواصل والودائع والبضائع. وسبوا النساء والخودات والصبيان والبنات. وأصبح من بقى من أهل بولاق فقراء لا يملكون ما يستر عوراتهم.
وكان محمد الطويل كاتب الفرنساوية أخذ منهم أمانا لنفسه. وأوهم أصحابه أنه يحارب معهم، وفى وقت هجمة العساكر انفصل إليهم، واختفى البشتيلى فدلوا عليه وقبضوا على وكيله وعلى الرؤساء. فحبسوا البشتيلى فى