للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يسوّد، ومن لم يحتمل ألم التعلم لم يذق لذة العلم. ومن لم يكدح لم يفلح.

وإذا خلوت من التعلم والتذكر فحرك لسانك بذكر الله وبتسبيحه وخاصة عند النوم فيشربه لبك وينعجن فيه خيالك وتتكلم فيه فى منامك. وإذا حدث لك فرح وسرور فى بعض أمور الدنيا فاذكر الموت وسرعة الزوال وأصناف المنغصات. وإذا أحزنك أمر فاسترجع، وإذا عرتك غفلة فاستغفر. واجعل الموت نصب عينيك والعلم والتقى زادك فى الآخرة وإذا أردت أن تعصى الله فاطلب مكانا لا يراك فيه. واعلم أن الناس عيون الله على العبد يديهم خيره وإن أخفاه وشره إن ستره، فباطنه مكشوف لله، والله يكشفه لعباده. وعليك أن تجعل باطنك خيرا من ظاهرك، وسرك أصبح من علانيتك. ولا تتألم إذا أعرضت عنك الدنيا ولو عرضت لك لشغلتك عن كسب الفضائل. وقلما يتعلق فى العلم ذو الثروة إلا أن يكون شريف الهمة جدا أو أن يثرى بعد تحصيل العلم.

وإنى لا أقول أن الدنيا تعرض عن طالب العلم، بل هو الذى يعرض عنها لأن همته مصروفة الى العلم فلا يبقى له التفات الى الدنيا. والدنيا إنما تحصل بحرص وفكر فى وجوهها فإذا غفل عن أسبابها لم تأته. وأيضا طالب العلم تشرف نفسه عن الصنائع الرذلة والمكاسب الدنيئة وعن أصناف التجارات، وعن التذلل لأرباب الدنيا، والوقوف على أبوابهم ولبعض إخواننا:

من جدّ فى طلب العلوم أفاته … شرف العلوم دناءة التحصيل

وجميع طرق الدنيا تحتاج الى فراغ لها، وحذق فيها، وصرف الزمان إليها. والمشتغل بالعلم لا يسعه شيئا من ذلك وإنما ينتظر أن تأتيه الدنيا بلا سبب، وتطلبه من غير أن يطلبها طلب مثلها وهذا ظلم منه وعدوان، ولكن إذا تمكن الرجل فى العلم وشهر به خطب من كل جهة وعرضت عليه المناصب، وجاءته الدنيا صاغرة وأخذها وماء وجهه موفر، وعرضه ودينه مصون.