وبالتأمل لرسم الإقليم على الخرطة، يرى أن هذا المكان المحدود بالحدود السابقة، يوافق موضع ميت رهينة؛ لأن المائة إستادة من الإستادات الصغيرة المصرية - التى كل إستادة منها مائة متر - عبارة عن عشرة آلاف متر، هى المسافة التى بين ميت رهينة وقرية مزغونة.
ويؤيد ذلك أنه يشاهد الآن أن النيل متجه نحو الشرق جهة البابين، وجار فى منتصف الوادى، وأنه ترك الجهة الغربية التى كان يجرى فيها على ما يقال - يعنى جهة دهشور - التى كان اسمها قديما كانتوس أى مدينة السنط؛ بسبب أنه كان بها كثير من هذا الشجر، لوقاية أرض المزارع من زحف الرمال عليها.
ومما يوجب الميل لصحة هذا الكلام وجود ترعة فى آخر الوادى تحت الجبل الغربى تعرف بترعة العصارى. يعنى الغربية. ولزيادة سعتها وعمقها عن المعتاد؛ لا يظن من يراها أنها من حفر الآدميين، بل يعتقد أنها مجرى أصلى.
ويغلب على الظن أن هذه المدينة لم تظهر دفعة واحدة، بل يحتمل أنه كان بموضعها بلد من بلاد الأرياف، كانت مسكونة قبل وجود مدينة عين شمس؛ لأن المحل التى كانت به أضيق محل فى الوادى كما هو الآن، فكان أشبه بمفتاح للأقاليم القبلية، وضرورة كانت محصنة لمدافعة العدو.
وعملية تحويل النهر لم تكن ابتداء، بل الغالب أنها ظهرت بعد اتساع البلد، ومعرفة ما يلزم معرفته من حركة جريان مياه النيل، وطبيعة الأرض، وانحدارها.
ثم أن هيرودوت لم يبين سعة هذه المدينة فى مؤلفاته، إنما وجد ذلك فى مؤلفات ديودور الصقلى فإنه قال:
كان محيطها فى زمن تأسيسها مائة وخمسين إستادة، والإستادة التى استعملها تدخل فى الدرجة الأرضية ستمائة مرة، وهى التى استعملها فى قياس ما بين الهرم والنيل، وجعل المسافة خمسا وأربعين إستادة.