للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال المحقق المذكور:

مدينة منف كان يسكنها الفراعنة وكانت مستقر مملكتهم، وإياها عنى بقوله تعالى عن موسى : ﴿وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها﴾ (١) وبقوله تعالى ﴿فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ (٢)؛ لأن مسكنه ، كان بقرية بالجيزة قريبة من المدينة تسمى دموه، وبها اليوم دير لليهود. ومقدار خرابها اليوم مسيرة نصف يوم فى نحوه، وقد كانت عامرة قبل زمن إبراهيم ويوسف وموسى وبعده إلى زمن بختنصر، فإنه أخرب ديار مصر، وبقيت على خرابها أربعين سنة. وسبب إخرابه إياها أن ملكها حمى منه اليهود حين إلتجؤا إلى مصر فقصده، وأباد دياره، ثم جاء الإسكندر بعد ذلك واستولى عليها وعمّر بها الإسكندرية، وجعلها مقر الملك.

ولم تزل على ذلك إلى أن جاء الإسلام ففتحت على يد عمرو بن العاص ، وجعل مقر الملك بالفسطاط، ثم جاء المعز من المغرب وبنى القاهرة وجعلها مقر الملك إلى اليوم.

ثم إن مدينة منف مع تعفية آثارها، ومحو رسومها ونقل حجارتها وآلاتها، وإفساد أبنيتها وتشويه سورها، وما فعلته فيها أربعة آلاف سنة فصاعدا، كنت تجد فيها من العجائب ما يفوق فهم المتأمل، ويحسر دون وصفه البليغ، وكلما زدته تأملا زادك عجبا، وكلما زدته نظرا زادك طربا، ومهما استنبطت منه معنى أنبأك بما هو أغرب، ومهما إستثرت منه علما ذلك على أن وراءه ما هو أعظم.

فمن ذلك: البيت المسمى بالبيت الأخضر، وهو حجر واحد تسع أذرع إرتفاعا فى ثمان طولا فى سبع عرضا، قد حفر فى وسطه بيت جعل سمك حيطانه وسقفه وأرضه ذراعين ذراعين والباقى فضاء البيت، وجميعه ظاهرا وباطنا منقوش ومصور ومكتوب بالقلم القديم، وعلى ظاهره صورة الشمس مما


(١) سورة القصص: ١٥.
(٢) سورة القصص: ٢١.