للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما يستأنس به للقول بأنها قبور: ما يستفاد من كلام مربيت بك من أن الموضع الذى فيه أهرام الجيزة وتمثال أبى الهول هو محل مقبرة منفيس فى الأزمان القديمة، وإن أغلب القبور الموجودة هناك قديمة، وشكل أكثرها كشكل الهرم الناقص، وهى مبنية بالأحجار الضخمة فوق البئر التى فيها جثة الميت. انتهى.

ومثل ذلك ما قاله العالم جومار أن الأرض التى عليها الهرم كانت مقابر لجهات كثيرة من الوجه البحرى، وهى كثيرة فى الصحراء، وعددها يفوق الحصر ما بين صغيرة جدا أو كبيرة جدا أو متوسطة. فكانت جثة الموتى تنقل فى القوارب والمراكب فى الخلجان وفروع النيل حتى تدخل فى الأقيرون الجارى بقرب الهرم، وكان هو آخر خليج، ومن بعده لا يوجد إلا القحولة والموت، وكان المشتغلون بنقل الأموات خلقا كثيرين فى مراكب كثيرة. كما يشهد لذلك ما هو منقوش على الجدران، وفى الكتب والرقاع المدفونة مع الأموات، وبسبب موافقة هذا الموقع لهذا الغرض لكونه فى فم الوادى.

واجتماع خلجان الوجه البحرى فيه يظهر أن هذه العادة - أعنى الدفن فى هذا الموضع - قديمة جدا وسابقة على بناء مدينة منفيس، وربما كان ذلك هو السبب فى بناء الأهرام هناك أيضا. انتهى.

ويحتمل أن الأهرام هى السبب فى اتخاذ هذا الموضع مدفنا عموميا. وأن الأهرام هى السابقة على ذلك، كما يشهد له ما تقدم من أنها من أبناء إدريس ، أو سوريد، خصوصا على إعتقاد الصابئة أن الأهرام مدافن أجساد طاهرة. فكان الناس يتسارعون إليها ويتنافسون فى القرب منها لدفن موتاهم عندها، كما يتمنى أهل كل ملة الدفن عند قبور الصالحين. وبحسب ما كان لهم من الثروة اتخذوا صور الأهرام فى مدافنهم، كما يشاهد فى الأمراء والأعيان أنهم يتخذون لموتاهم قبورا تشبه قبور الصالحين.