قال هيرودوط: إن المصريين، ولو أن لكل طائفة منهم مقدسا مخصوصا، لكن جميعهم يقدسون أوزريس وأوزيس. ومن خرافاتهم أيضا ما زعموه أن أم أوزريس حملت به من العقل الروحانى بعد تشكله فى صورة افتاه. وهى عبارة عن حرارة والتهاب سماوى، انتهى.
وفى كثير من الكتب أن المصريين كانوا يعتبرون أوزريس أنه هو المحبوب المطلوب، صاحب الخيرات، المالك المعظم لأرض مصر، وملك سكان السماء وهو شبيه الشمس، أو شبيه ولقان، وولقان هو الشمس. انتهى.
وسيأتى فى الكلام على أبى الهول ما يفيد الجزم بأن الأهرام من الأبنية المقدسة، وضعها الواضع لأعظم المقاصد الدينية فى تلك الأحقاب. وعلى كل حال سواء قلنا إن الأهرام قبور، أو إنها معابد، أو مخازن للأسرار والذخائر، أو غير ذلك، فالناظر إليها، ممن لا يدرك فوائدها، لا يرى لها من اللزوم والأهمية عشر معشار ما حصل فى بنائها من العناء والتعب والمشاق، وكثرة المصاريف، وذهاب الأموال والأنفس فيها. فإن من يطوف حول الهرم، أو يدخله، أو يصعد عليه يجزم بأن ألوفا من الآدميين والبهائم هلكوا فى بنائه، إما من جور الحكام، وإما من ألم الأشغال، أو سقوط الحجارة عليهم، أو من الجوع ونحو ذلك، بخلاف غير الأهرام من الآثار التى تظهر فوائدها مع قلة كلفتها، كالقناطر، والترع، والخلجان، فهذه يشكر صانعها على الدوام.
فالذاهب إلى الأهرام لا يقع بصره على شئ مما به سعادة الخلق وثروتهم إلا إنشرح صدره منه، وانتعشت روحه. وإذا استحضر فى قلبه من جرى هذا الخير على يديه، فلا بد أن يشكره بلسان الحال أو القال، فإذا فارق أرض المزارع إلى صحراء الأهرام، وأحس بأوعارها، ورأى الهرم من بعيد كأنه جبل شامخ فى معزل عن العمران والخصوبة، تحول فكره الى أحوال هذا البناء الهائل، وما كان لبانيه من القوّة والعسف. وكلما قرب منه إزداد حيرة وتعجبا،