وفى ثانى شهر شوال من هذه السنة ركب الأمراء إلى قراميدان ليهنئوا الباشا بالعيد، وكان معتاد الرسوم القديمة أن كبار الأمراء يركبون بعد الفجر من يوم العيد، وكذلك أرباب العكاكيز، فيطلعون إلى القلعة، ويمشون إلى الباشا من باب السراى إلى جامع الناصر بن قلاوون فيصلّون صلاة العيد، ويرجعون كذلك، ثم يقبلون أتكه، ويهنؤنه وينزلون إلى بيوتهم فيهنئ بعضهم بعضا على رسمهم واصطلاحهم، وينزل الباشا فى ثانى يوم إلى الكشك بقراميدان، وقد هيئت مجالسه بالفرش والمساند والستور، واستعد فراشوا الباشا بالتطلى والقهوة والشربات والقماقم والمباخر، ورتبوا جميع الاحتياجات واللوازم من الليل، واصطفت الخدم والجاويشية والسعاة والملازمون، ويجلس الباشا بذلك الكشك بحضرة أرباب العكاكيز والخدم قبل كل أحد، ثم يأتى الدفتردار وأمير الحاج والأمراء الصناجق والإختيارية، وكتخدا الينكجرية، والمقادم، والأوزباشية، واليمقات والجربجية والعزب أصحاب الوقت، فيهنئون الباشا ويعيدون عليه على قدر مراتبهم بالقانون والترتيب، ثم ينصرفون.
فلما حضروا فى ذلك اليوم وهنأ الأمراء والصناجق الباشا، وخرجوا إلى دهليز القصر يريدون النزول، وقف لهم جماعة وسحبوا السلاح عليهم وضربوا عليهم بنادق، فأصيب عثمان بك وحسين بك وجماعة، ونط أكثرهم من حائط البستان لا يصدقون بالنجاة.
وبطل أمر العبيد من قراميدان من ذلك اليوم، وتهدم القصر وخربت الجنينة، فنسبت هذه الفعلة إلى على بك بمراسلاته إلى حسن بك جوجو، فأرسلوا وراءه حمزة بك، فوجده بالمركب فى الغاطس، ينتظر اعتدال الريح للسفر فرده إلى البر، ورجعه إلى جهة مصر بمماليكه وأتباعه، فسار بالجبل ونزل على شرق أطفيح، ثم إلى جهة أسيوط، ورجع حمزة بك إلى مصر، فاجتمع المنفيون والهوارة وخلافهم على على بك، وأرادوا الإنضمام إلى صالح بك، فنفر منه صالح بك، فلم يزل يخادعه، وكان على كتخدا الخربطلى منفيا