السجن، وضيقه الأطواق؛ ولهذا حمدت عاقبته على الإطلاق، ولا غنى على عود إلا أسال دموع الندى من حدائق الرياض، ولا أطلق من كبد الجو إلا كان سهما مريشا تبلغ به الأغراض، كم علا فصار بريش القوادم كالأهداب لعين الشمس، وأمسى عند الهبوط لعيون الهلال كالطمس.
فهو الطائر الميمون والغاية السباقة، والأمين الذى إذا أودع أسرار الملوك حملها بطاقة، فهو من الطيور التى خلا لها الجو فنقرت ما شاءت من حبات النجوم، والعجماء التى من أخذ عنها شرح المعلقات فقد أعرب عن دقائق المفهوم، والمقدمة والنتيجة للكتاب الحجلى فى منطق الطير، وهى من جملة الكتاب الذى إذا وصل القارئ منه إلى الفتح يتهلل لجنة الخير.
كم أهدت من مخلقها وهى غادية رائحة، وكم حنت إليها الجوارح وهى - أدام الله إطلاقها - أعز جارحة، وكم أدارت من كؤوس السجع ما هو أرق من قهوة الإنشاء، وأبهج على زهر المنشور من صبح الأعشى، وكم عامت بحور الفضاء، ولم تحفل بموج الجبال، وكم جاءت ببشارة خضبت الكف من تلك الأنملة قلامة الهلال، وكم زاحمت النجوم بالمناكب حتى ظفرت بكل كف خضيب، وانحدرت كأنها دمعة سقطت على خد الشقيق لأمر مريب، وكم لمع فى أصيل الشمس خضاب كفها الوضاح فصارت بسموها وفرط البهجة كمشكاة فيها مصباح. انتهى باختصار.
ونقل كترمير عن كتاب ديوان الإنشاء: إن استعمال الحمام فى إيصال الرسائل أمر قديم يصل إلى زمن سيدنا سليمان ﵇، ونقل عن مسالك الأبصار: إن من الرسائل ما يكتب فى رق صغير خفيف تحمله طيور زرق لها مراكز، بين الواحدة والثانية ثلاثة مراكز بريد أو أكثر، وهى مراكز خيل كانت تستعمل لنقل الرسائل/والمسافرين، وقد ذكرناها فى الكلام على الصالحية.
قال: وكان الحمام الذى يحمل الرسائل يزين بزى مخصوص؛ ليكون معلوما فلا يتعرض له أحد، فإذا وصل مركزه تؤخذ منه الرسالة إلى حمامة أخرى، وهكذا حتى تصل إلى محل السلطان. وكان لفظ الطير إذا أطلق لا