وقال بعض شراح هيرودوط: إن المنفعة الحاصلة للمصريين من هذا الحيوان هى السبب فى منع ذبح أنثاه لأنها محل/التناسل فلعل هذا هو السبب الأصلى فى ذلك، ثم دخلته العلة الدينية، والآن براهمة الهند يمتنعون من أكل لحم البقر، وهذا القانون جار من قديم الزمان إلى الآن فى كثير من الجهات، وقال برفير: إن المصريين كان يهون عليهم أكل الآدمى عن أكل أنثى البقر، وكانوا إذا مات ثورا أو بقرة يجعلون له جنازة ويرمون الأنثى فى النهر، ويدفنون الذكر فى الضواحى، ويبقون أحد قرنيه بارزا من الأرض دلالة على قبره، وبعد أكل الأرض لحمه تأتى ناس يجمعون العظام، ويأخذونها فى مراكب لدفنها فى مواضع مخصوصة عندهم، وذلك وظيفة لهم ولا يختص ذلك بعظام الذكور البقر بل جميع عظام الحيوانات كذلك، وبسبب أن كل جهة لها مقدس مخصوص، كانت القرابين تختلف باختلاف المقدسين فى أنواعها وشروطها وعوائدهم فيها، ففى قسم طيبة يمتنع ذبح الخروف إلا فى عيد أمون، وإنما يذبح عندهم على الدوام المعز، وفى قسم منديس بالعكس، وأما الخنازير فكانوا لا يتقربون بها إلا إلى باكوس (إله الشراب وإله القمر)، وكان وقت الذبح حين يصير القمر بدرا، ولا يأكلون منه إلا فى ذلك الوقت، وذلك فى يوم من السنة وهو يوم عيد القمر، قاله هيرودوط وقال: وأنا أعرف السبب فى كراهتهم لأكل الخنزير، إلا فى هذا اليوم، ولكن لا أذكره.
وقال شارحو كتابه فى سبب كراهتهم له: إن مسام جسمه تنسد بسبب كثرة شحمه، فلا يخرج منه عرق ولا بخارات، فيكون ذلك سببا فى هيجان جسمه وثورانه، وذلك من دواعى داء الأسد فلذا كرهه المصريون، وتبعتهم اليهود، وإلى الآن لا يذبحه من يأكله من الإفرنج وغيرهم إلا بعد تفتيش لسانه وجسمه، فمتى وجدوا فيه علامة على أنه مصاب بهذا الداء، فلا يذبحونه ولا يأكلونه، ثم إن باكوس هو ازريس، ويسمى (عيده) عند الإفرنج عيد بامبليا، وقال بولوتارك: إن عيد باكوس يشبه عيد المذاكير عند اليونان، وذلك يدل