وبعد هيرودوط بزمن مديد اعتبر ابن حوقل والإدريسى، أن خليج أشمون طناح هو الفرع الأصلى للنيل.
وقال هيرودوط: إن من جملة الجزائر التى فى البحار المار ذكرها جزيرة تسمى كميس، فى بحيرة عميقة واسعة بها مدينة كثيرة السكان من أرباب الثروة حصينة منيعة، وكان هيكل لا طونة بمدينة بوطو (البرلس) قريبا منها، وكان المصريون يعتقدون أنها عائمة غير ثابتة، ولم يذكر ذلك المؤلف المذكور، وكان بالجزيرة معبد باسم أبلون، وهو من الهياكل العظيمة، وفيه ثلاث محاريب، وأما أرض كميس فأغلب زرعها نخيل، وأصناف متعددة من الشجر المثمر والعقيم، وسمى تلك المدينة استرابون باسم هرموبوليس وقد بقى سكانها على العبادة الوثنية زمنا طويلا بعد دخول النصرانية أرض مصر، فلما نفى إليها مرقور بطرك الإسكندرية تنصر أهلها، وهدموا هيكل أيولون الجاهلى، وبنوا مكانه كنسية نصرانية، ومن جزائرها أيضا جزيرة نيكوكس، وجزيرة بصة، وكان سكانها مع كونهم رعاة للغنم وغيرها قطاع طريق ولصوصا، وكانوا فى جهة مستقلة لا تأخذهم الأحكام، وقال هليلودور وغيره: إن الأرض المعروفة بالمراعى عند المصريين منخفضة، ويجتمع فيها كثير من ماء النيل وقت الفيضان، بحيث يصير فى وسطها بركة عميقة، وفى شواطئها وحل وطين كثير، لا يمكن المشى عليه، وكان جميع لصوص مصر وأشقياؤها يسكنونها، بعضهم فى الجزائر المرتفعة عن الماء، وبعضهم فى قوارب لا يفارقونها، فيكون بها نساؤهم وأولادهم، فإذا وضعت المرأة أرضعت المولود فى صغره، فإذا كبر أطعمته من سمك البحيرة المجفف فى الشمس، ومتى حبا الولد ربطته من رجله حتى لا يخرج من المركب، ولا يمنع من الحركة، فكان كل شخص من هؤلاء الرعاة يعتبر هذه البحيرة وطنا له، وكانت على غرض اللصوص لكونها لهم كحصن منيع، وكان غيرهم لا يدرى مسالكها، ومن حرصهم على الاختفاء بها، جعلوا الطرق غير مستقيمة وغير متصلة، فكانوا