وفى أول ليلة تنتصب الأذكار وينعقد الجمع فى دوار أبى حمد الله إلى طلوع والفجر. فى الليلة الثانية يكون ذلك غربى القريتين فى بساط الجبل، وينصب فى وسط الجمع صارى مرتفع فى السماء، يدور الذاكرون حوله طوائف طوائف يمسك بعضهم بعضا كالسلسلة، ثم يجلسون حلقة ويجلس المغنون متقابلين؛ فيغنى أحدهم بشئ من كلام القوم أو من سيرهم؛ لكن بألفاظ وتراكيب عامية ملحونة، ثم يجيبه آخر بمثل ذلك، ويذكرون اسم الله تعالى باللحن والتقطيع، ويزعمون أن ذلك طريقة القوم، وتنتصب أيضا الحانات المشتملة على الدف والطار والمزمار، وغير ذلك، وفى طرفى النهار من العصر إلى الغروب، ومن الضحى إلى قرب الظهر، ينتصب كل ذلك أيضا.
وينتصب ميدان المسابقة بالخيل ويجتمع هناك خيل جياد كثيرة من بلاد شتى، عليها طقوم محلاة يركبها شبان متجملون بالملابس، لهم بالرماحة خبرة ودراية، تعجب الناظر هيأتهم وهيئات خيولهم، ويرقصون الخيل على ضرب الطبل كرقص النساء، ومنهم من يضجع حصانه ويوقفه وهو راكبه، ومنهم من يأتى به رامحا على ثلاثة أرجل وإذا اختار أحد الفرسان فارسا، ينزل معه الميدان يرمح إليه، ويشير له بالرمح الذى بيده، المسمى (بالزانة)، ويسمون ذلك إضافة، فينزل معه ويأخذ كل منهما من الميدان جانبا، ويحرص على منع الآخر من دخوله فى جانبه، ويحرص الآخر على دخوله فيه، فمن دخل فى جهة صاحبه ولم يتمكن الآخر منه فهو الغالب، إلى غير ذلك من الألعاب.
وأكثر الفرسان يكونون من بلاد الهلة، ومن ناحية أولاد إسماعيل، وجهينة، ونزة والنخيلة، وأم دومة، والمدمر، وقيل: إن سبب اعتيادهم هاتين الليلتين؛ أنه وقعت معركة بين بلاد الهلة وبلاد جهينة سببها: أن كبير جهينة حلف ليسقين حصانه من بئر العكاوى، فى آخر بلاد الهلة. من جهة الشمال، إغاظة لهم، وكانوا قد منعوه من دخول بلادهم، فخرج ليبر قسمه، وخرج وراءه حزبه، واجتمع حزب الهلة؛ فالتقى الجمعان والتحم الحرب.