أربعة عشر ذراعا، فقطعوها، وقد بلغ تكاليف كل ذراع دينارا خلاف مصاريف الحفر، وكسوة البئر، والماء المستخرج منها هو الذى ينتفع به الرهبان إلى الآن.
والكنيسة التى بقربه باسم مرت ومريم أخت نزار، المدفون فى هذا الدير، فى مقابلة البئر المذكورة، وفى تلك الكنيسة حوض يصل إليه الماء من البئر، بمجرى تحت الأرض، وقد صار الآن ارتدام ذلك المجرى، وكان فى الدير طاحونة مبنية كطواحين العجم، وكان بقرب الكنيسة قصر مرتفع البناء له ثلاثة أدوار، يصعد إليه من داخل الكنيسة بسلم، وكان قد تهدم، فعمره الكاتب أبو البركات المعروف بابن كتامة، وعمر الحائط الدائر حول الحوض، وعمر القناة الموصلة إليه الماء، وبجوار الدير كنيسة أيضا باسم مارى أنطوان قد تخربت، وفى مقابلته مساكن رهبان مارى مكير، الذين فارقوا ديرهم زمن البطرك بنجمان، وبقربه مدفنان أحدهما عند كنيسة مارى أنطوان، يدفن فيه أساقفة الجيزة، والآخر فى أسفل القصر، يدفن فيه الرهبان وأموات القرى المجاورة، وقد أكلت الأرضة خشب الدير أيضا والكنيسة، فعمرها ابن كتامة، وعوض سقف الخشب بعقود من الحجر، ودفن الأعمدة فى أكتاف من البناء، ولم يترك إلا عمودى الصوّان العتيقين الكائنين أمام صورة العذراء.
ثم قال أبو صلاح: والآن هذا الدير باسم العذراء البتول، وبه سبعة رهبان، وكان فى الزمن السابق تابعا لأسقف الجيزة، ثم جعله البطرك مرك تابعا لنفسه، وأمر أسقف الجيزة أن يحصل كل سنة من الرهبان ثلاثة دنانير، ونقل هو والمقريزى عن الشابشتى أن هذا الدير من أعظم ديور مصر، فى محل لطيف، وفى زمن الفيضان يحيط به الماء من كل جهة، وفى التحاريق تحيط به الأزهار والنباتات الغريبة، فكان بسبب ذلك من المنتزهات المشهورة، وكان به كثير من الرهبان، وبقربه خليج يجتمع فيه كثير من الطيور، وكان المقيمون به يصطادون منها. وقال المقريزى: إن هذا الدير انعدم الآن عن آخره. انتهى.